معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قَالُوٓاْ أَضۡغَٰثُ أَحۡلَٰمٖۖ وَمَا نَحۡنُ بِتَأۡوِيلِ ٱلۡأَحۡلَٰمِ بِعَٰلِمِينَ} (44)

قوله تعالى :{ قالوا أضغاث أحلام } ، أخلاط أحلام مشتبهة ، أهاويل ، واحدها ضغث ، وأصله الحزمة من أنواع الحشيش ، والأحلام جمع الحلم ، وهو الرؤيا ، والفعل منه حلمت أحلم ، بفتح اللام في الماضي وضمها في الغابر ، حلما وحلما ، مثقلا ومخففا .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَالُوٓاْ أَضۡغَٰثُ أَحۡلَٰمٖۖ وَمَا نَحۡنُ بِتَأۡوِيلِ ٱلۡأَحۡلَٰمِ بِعَٰلِمِينَ} (44)

و { قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ } أي أحلام لا حاصل لها ، ولا لها تأويل .

وهذا جزم منهم بما لا يعلمون ، وتعذر منهم ، [ بما ليس بعذر ]{[443]}  ثم قالوا : { وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ } أي : لا نعبر إلا الرؤيا ، وأما الأحلام التي هي من الشيطان ، أو من حديث النفس ، فإنا لا نعبره

فجمعوا بين الجهل والجزم ، بأنها أضغات أحلام ، والإعجاب بالنفس ، بحيث إنهم لم يقولوا : لا نعلم تأويلها ، وهذا من الأمور التي لا تنبغي لأهل الدين والحجا ، وهذا أيضا من لطف الله بيوسف عليه السلام . فإنه لو عبرها ابتداء - قبل أن يعرضها على الملأ من قومه وعلمائهم ، فيعجزوا عنها -لم يكن لها ذلك الموقع ، ولكن لما عرضها عليهم فعجزوا عن الجواب ، وكان الملك مهتما لها غاية ، فعبرها يوسف- وقعت عندهم موقعا عظيما ، وهذا نظير إظهار الله فضل آدم على الملائكة بالعلم ، بعد أن سألهم فلم يعلموا . ثم سأل آدم ، فعلمهم أسماء كل شيء ، فحصل بذلك زيادة فضله ، وكما يظهر فضل أفضل خلقه محمد صلى الله عليه وسلم في القيامة ، أن يلهم الله الخلق أن يتشفعوا بآدم ، ثم بنوح ، ثم إبراهيم ، ثم موسى ، ثم عيسى عليهم السلام ، فيعتذرون عنها ، ثم يأتون محمدا صلى الله عليه وسلم فيقول : " أنا لها أنا لها " فيشفع في جميع الخلق ، وينال ذلك المقام المحمود ، الذي يغبطه به الأولون والآخرون .

فسبحان من خفيت ألطافه ، ودقَّت في إيصاله البر والإحسان ، إلى خواص أصفيائه وأوليائه .


[443]:- زيادة من هامش: ب.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالُوٓاْ أَضۡغَٰثُ أَحۡلَٰمٖۖ وَمَا نَحۡنُ بِتَأۡوِيلِ ٱلۡأَحۡلَٰمِ بِعَٰلِمِينَ} (44)

وقوله - سبحانه - { قالوا أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأحلام بِعَالِمِينَ } حكاية لما ردبه الكهان والأشراف على ما طلبه الملك منهم .

والأَضغاث : جمع ضغث - بكسر الضاد - وهو ما جمع في حزمة واحدة من مختلف النيات وأعواد الشجر ، فصار خليطا غير متجانس .

والأحلام : جمع حلْم وحلُم - بإسكان اللام وضمها تبعا للحاء - وهو ما يراه النائم في منامه ، وتطلق كثيرا على ما ليس بحسن ، ففى الحديث الصحيح : " الرؤيا من الله والحلم الشيطان " .

أى : قال الملأ للملك : ما رأيته أيها الملك في نومك ما هو إلا تخاليط أحلام ومنامات باطلة ، فلا تهتم بها .

فهم قد شبهوا ما رآه بالأضغاث في اختلاطه ، وعدم التجانس بين أطرافها .

ثم أضافوا إلى ذلك قولهم : { وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأحلام بِعَالِمِينَ } .

أى : إننا لسنا من أهل العلم بتفسير تخاليط الأحلام ، وإنما نحن من أهل العلم بتفسير المنامات المعقولة المفهومة .

وقولهم هذا إنما هو اعتذار عن جهلهم ، بمعرفة تفسير رؤيا الملك ، ويبدو أن الملك كان يتوقع منهم هذا الجهل ، كما يشعر به قوله - تعالى - { إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ } فقد أتى بإن المفيدة للشك .

قال صاحب الكشاف : " فإن قلت : ما هو إلا حلم واحد فلماذا قالوا أضغاث أحلام فجمعوا ! ؟

قلت : هو كما تقول فلان يركب الخيل ، ويلبس عمائم الخز ، لمن لا يركب إلا فرسا واحدا وماله إلا عمامه فردة ، تزيدا في الوصف ، فهؤلاء أيضا تزيدوا في وصف الحلم بالبطلان فجعلوه أضغاث أحلام - ويجوز أن يكون قد قص عليهم مع هذه الرؤيا سواها .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَالُوٓاْ أَضۡغَٰثُ أَحۡلَٰمٖۖ وَمَا نَحۡنُ بِتَأۡوِيلِ ٱلۡأَحۡلَٰمِ بِعَٰلِمِينَ} (44)

{ قالوا أضغاث أحلام } أي هذه أضغاث أحلام وهي تخاليطها جمع ضغث وأصله ما جمع من أخلاط النبات وحزم فاستعير للرؤيا الكاذبة ، وإنما جمعوا للمبالغة في وصف الحلم بالبطلان كقولهم : فلان يركب الخيل ، أو لتضمنه أشياء مختلفة . { وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين } يريدون بالأحلام المنامات الباطلة خاصة أي ليس لا تأويل عندنا ، وإنما التأويل للمنامات الصادقة فهو كأنه مقدمة للعذر في جهلهم بتأويله .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالُوٓاْ أَضۡغَٰثُ أَحۡلَٰمٖۖ وَمَا نَحۡنُ بِتَأۡوِيلِ ٱلۡأَحۡلَٰمِ بِعَٰلِمِينَ} (44)

وقوله : { قالوا : أضغاث أحلام } الآية ، «الضغث » في كلام العرب أقل من الحزمة وأكثر من القبضة من النبات والعشب ونحوه ، وربما كان ذلك من جنس واحد . وربما كان من أخلاط النبات ، فمن ذلك قوله تعالى : { وخذ بيدك ضغثاً }{[6698]} وروي أنه أخذ عثكالاً من النخل{[6699]} ، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل نحو هذا في حد أقامه على رجل زمن{[6700]} ، ومن ذلك قول ابن مقبل : [ الكامل ]

خود كأنَّ فراشها وضعت به*** أضغاث ريحان غداة شمال{[6701]}

ومن الأخلاط قول العرب في أمثالها : ضغث على إبالة{[6702]} فيشبه اختلاط الأحلام باختلاط الجملة من النبات ، والمعنى أن هذا الذي رأيت أيها الملك اختلاط من الأحلام بسبب النوم ، ولسنا من أهل العلم بذلك ، أي بما هو مختلط ورديء ؛ فإنما نفوا عن أنفسهم عبر الأحلام لا عبر الرؤيا على الإطلاق ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : «الرؤيا من الله والحلم من الشيطان »{[6703]} . وقال للذي كان يرى رأسه يقطع ثم يرده فيرجع : «إذا لعب الشيطان بأحدكم في النوم فلا يحدث بذلك »{[6704]} .

قال القاضي أبو محمد : فالأحلام وحِدثان النفس ملغاة ، والرؤيا هي التي تعبر ويلتمس علمها .

والباء في قولهم { بعالمين } للتأكيد ، وفي قولهم : { بتأويل } للتعدية وهي متعلقة بقولهم { بعالمين } .

و { الأحلام } جمع حلم ، يقال : حلَم الرجل - بفتح اللام - يحلم : إذا خيل إليه في منامه ، والأحلام مما أثبتته الشريعة ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الرؤيا من الله وهي المبشرة والحلم المحزن من الشيطان ، فإذا رأى أحدكم ما يكره ، فليتفل على يساره ثلاث مرات وليقل : أعوذ بالله من شر ما رأيت ، فإنها لا تضره »{[6705]}

وما كان عن حديث النفس في اليقظة فإنه لا يلتفت إليه .


[6698]:منت الآية (44) من سورة (ص).
[6699]:العثكال والعثكول: العذق أو الشمراخ وهو ما عليه البسر من عيدان الكباسة، وهو في النخل بمنزلة العنقود من الكرم.
[6700]:أخرجه ابن ماجه في الحدود، والإمام أحمد في مسنده (5ـ 222) ولفظه فيه عن سعيد بن سعد بن عبادة قال: (كان بين أبياتنا إنسان مخدج ضعيف، لم يرع أهل الدار إلا وهو على أمة من إماء الدار يخبث بها، وكان مسلما، فرفع شأنه سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اضربوه حده، قالوا: يا رسول الله، إنه أضعف من ذلك، إن ضربناه مائة قتلناه، قال: فخذوا له عثكالا فيه مائة شمراخ فاضربوه به ضربة واحدة، وخلوا سبيله). والزمن: ذو الزمانة ، أي مبتلى بالزمانة وهي العاهة والآفة.
[6701]:الخود: الفتاة الحسنة الخلق الشابة ما لم تصر نصفا، وقيل: الجارية الناعمة، والجمع: خودات وخود، والضغث: الحزمة من الحشيش، أو كل ما ملأ الكف من النبات المختلط، والشمال: الريح الباردة، يقول: إن رائحة فراشها بعد النوم كأنما وضعت فيه صنوف من الريحان تنشر رائحتها ريح الشمال اللطيفة.
[6702]:الضغث: قبضة من الحشيش أو النبات المختلط، والإبالة: الحزمة من الحطب، وبعضهم يقوله بالباء الخفيفة المفتوحة، وعليه: لي كل يوم من ذؤاله ضغث يزيد على إباله ومعنى المثل: بلية على أخرى. (مجمع الأمثال ـ الميداني). وفي (المستقصى) للزمخشري: "يضرب لمن حملك مكروها ثم زادك عليه".
[6703]:رواه البخاري في "التعبير" وفي "بدء الخلق"، وفي "الطب"، ورواه مسلم في "الرؤيا"، وأبو داود في "الأدب"، والترمذي في "الرؤيا"، وكذلك ابن ماجه والدارمي، ومالك في "الموطأ"، والإمام أحمد (5ـ 296، 300، 305، 310). ولفظه كما في البخاري (الرؤيا الصالحة من الله، والحلم من الشيطان، فمن رأى شيئا يكرهه فلينفث عن شماله ثلاث وليتعوذ من الشيطان فإنها لا تضره، وإن الشيطان لا يتزيا بي).
[6704]:رواه مسلم وابن ماجه عن جابر،ورمز له السيوطي بالصحة.(الجامع الصغير)
[6705]:راجع الهامش قبل السابق على هذا.