محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{قَالُوٓاْ أَضۡغَٰثُ أَحۡلَٰمٖۖ وَمَا نَحۡنُ بِتَأۡوِيلِ ٱلۡأَحۡلَٰمِ بِعَٰلِمِينَ} (44)

/ [ 44 ] { قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين 44 } .

{ قالوا } أي الملأ للملك { أضغاث أحلام } أي تخاليطها ، جمع ( ضغث ) . وهو في الأصل ما جمع من أخلاط النبات وحزم ، ثم استعير لما تجمعه القوة المتخيلة من أحاديث النفس ، ووساوس الشيطان ، وتريها في المنام . و ( الأحلام ) جمع ( حلم ) ، وهو ما يراه النائم ، فهو مرادف للرؤيا ، إلا أنها غلبت في رؤيا الخير ، والشيء الحسن ، وغلب الحلم على خلافه . وفي الحديث{[4923]} : " الرؤيا من الله ، والحلم من الشيطان " .

قال التوربشتي : الحلم عند العرب يستعمل استعمال الرؤيا ، والتفريق من الاصطلاحات التي سنها الشارع للفصل بين الحق والباطل ، كأنه كره أن يسمي ما كان من الله ، وما كان من الشيطان باسم واحد ، فجعل الرؤيا عبارة عن الصالح منها ، لما في الرؤيا من الدلالة على المشاهدة بالبصر أو البصيرة ، وجعل الحلم عبارة عما كان من الشيطان ، لأن أصل الكلمة لم يستعمل إلا فيما يخيل للحالم في منامه من قضاء الشهوة . مما لا حقيقة له . انتهى .

والمراد بالجمع في { الأحلام } ما فوق الواحد ، لأنهما حلمان ، رأى كل واحد منهما إثر استيقاظه منه ، كما روي . وفهم بعضهم أنه حلم واحد ، فالتمس للجمع نكتة فقال : إما المبالغة في وصفه بالبطلان ، أو تضمنه أشياء مختلفة . ولا حاجة إليه ، كما بينا .

{ وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين } يحتمل أن يريدوا ب { الأحلام } المنامات الباطلة خاصة . أي : ليس لها تأويل عندنا ، وإنما التأويل للرؤيا الصادقة ، وأن يعترفوا بقصور علمهم ، وأنهم ليسوا في التعبير بنحارير .

قال الناصر : وهذا هو الظاهر . وحمل الكلام على الأول يصيّره من وادي :

* على لاحب لا يهتدي بمناره *

/ كأنهم قالوا : ولا تأويل للأحلام الباطلة ، فنكون به عالمين . وقول الملك لهم أولا : { إن كنتم للرؤيا تعبرون } دليل على أنهم لم يكونوا في علمه عالمين بها ، لأنه أتى بكلمة الشك ، وجاء اعترافهم بالقصور مطابقا لشك الملك الذي أخرجه مخرج استفهامهم عن كونهم عالمين بالرؤيا أو لا . وقول الفتى : { أنا أنبئكم بتأويله } إلى قوله { لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون } دليل أيضا على ذلك والله أعلم .


[4923]:أخرجه البخاري في : 91- كتاب التعبير، 10- باب من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، حديث 1554،عن أبي قتادة.