تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{قَالُوٓاْ أَضۡغَٰثُ أَحۡلَٰمٖۖ وَمَا نَحۡنُ بِتَأۡوِيلِ ٱلۡأَحۡلَٰمِ بِعَٰلِمِينَ} (44)

المفردات :

أضغاث : جمع ضغث وهو الحزمة من الحشيش أو البقل اختلط فيها الرطب باليابس .

أحلام : جمع حلم وهو ما يراه النائم ، ومعناه : اختلط فيها الحق بالباطل .

التفسير :

44 { قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ } .

عجز العلماء والكهنة عن تفسير هذه الرؤيا ، أو عرفوا تأويلها ، وأحسوا أنها تشير إلى سوء ، لم يريدوا أن يوجهوا به الملك ، على طريقة رجال الحاشية في إظهار كل ما يسر الملوك ، وإخفاء ما يزعجهم ، وصرف الحديث عنه ، فقالوا : إنها أخلاط أحلام مضطربة ، وليست رؤيا كاملة تحتمل التأويل .

{ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ } . أي : لسنا نعرف تأويل مثل هذه الأحلام المضطربة المختلطة ، فهي لا تشير إلى شيء ، وربما كان المعنى : أن علمنا قاصر عن تفسير الأحلام : فلسنا معمقين في تأويلها ، مع أن لها تأويلا .

وقد ورد في صحيح البخاري : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الرؤيا من الله والحلم من الشيطان ، فإذا رأى أحدكم في منامه خيرا ؛ فليحمد ، وإن رأى غير ذلك ؛ فليتفل عن يساره ثلاث مرات ، وليصل ركعتين ولا يخبر بها أحدا ؛ فإنها لا تضره " . 20

والمعنى : إن المؤمن الصادق يرى رؤيا صادقة واضحة ، أما الحلم فهو من الشيطان ؛ ليثير التكدير والحزن على الإنسان ؛ رؤيا صادقة واضحة ؛ فهي بشارة من الله ، يستبشر بها المؤمن ويعمل بما يناسبها ؛ وإذا رأى حلما فيه أمور مختلطة ، أو مضطربة لا يستوضح مدلولها ؛ فإنه يتفل عن يساره ثلاث مرات ، ويستعيد بالله من الشيطان الرجيم ، ويتوضأ ويصلي ركعتين لله ، بنية أن يصرف عنه السوء ، ثم يقول : " اللهم ، لا يأتي بالخير إلا أنت ، ولا يذهب السوء إلا أنت ، اللهم ، اكفني السوء بما شئت وكيف شئت إنك على ما تشاء قدير " ، 21 ولا يخبر أحدا بهذا الحلم ؛ فإن الحلم كالطير إذا قص وقع ، ونلاحظ : أنه مر بنا عدد من المنامات والأحلام والرؤى منها : رؤيا يوسف أحد عشر كوكبا ، ورؤيا الخباز والساقي ، ثم رؤيا الملك ؛ فلعل تفسير الأحلام والاهتمام بها يعطينا صورة من جو العصر كله في مصر ، وخارج مصر ، وأن الهبة اللّدنية التي وهبها يوسف كانت من روح العصر وجوه ، على ما نعهد في معجزات الأنبياء . 22