الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{قَالُوٓاْ أَضۡغَٰثُ أَحۡلَٰمٖۖ وَمَا نَحۡنُ بِتَأۡوِيلِ ٱلۡأَحۡلَٰمِ بِعَٰلِمِينَ} (44)

قوله تعالى : { أَضْغَاثُ } : " أَضْغاث " خبر مبتدأ مضمر ، أي : هي أضغاث ، يَعْنُون ما قَصَصْته علينا ، والجملةُ منصوبةٌ بالقول . والأضغاث جمع " ضِغْث " بكسر الضاد ، وهو ما جُمِع من النبات سواء كان جنساً واحداً أو أجناساً مختلطة وهو أصغرُ مِن الحُزْمة وأكبر من القَبْضة ، فمِنْ مجيئه من جنسٍ واحد قولُه تعالى : { وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً } [ ص : 44 ] رُوِي في التفسير أنه أخذ عِثْكالاً مِنْ نخلة . وفي الحديث : " أنه أُتي بمريض وَجَبَ عليه حَدٌّ ففُعِل به ذلك " . وقال ابن مقبل :

2797 خَوْدٌ كأن فِراشَها وُضِعَتْ به *** أضغاثُ رَيْحانٍ غَداةَ شَمَالٍ

/ ومِنْ مجيئه مِنْ أخلاط النبات قولهم في أمثالهم : " ضِغْثٌ على إبَّالة " ، وقد خَصَّصه الزمخشري بما جُمِع مِنْ أخلاط النبات ، فقال : " وأصلُ الأَضْغاث ما جُمِع مِنْ أخلاط النبات ، وحِزَم الواحِد ضِغْثٌ " . وقال الراغب : " الضِّغْث قَبْضَةُ رَيْحانٍ أو حَشيش أو قُضْبان " . قلت : وقد تقدَّم أنه أكثرُ من القَبْضة ، واستعمالُ الأَضْغاث هنا من باب الاستعارة . والإِضافة في " أَضْغاث أحلام " إضافةٌ بمعنى " مِنْ " إذ التقديرُ : أضغاثٌ من أحلام .

والأَحْلام جمع حُلُم . والباء في " بتأويل " متعلقةٌ ب " عالمين " ، وفي " بعالمين " لا تعلُّقَ لها لأنها زائدةٌ : إمَّا في خبرِ الحجازيَّة أو التميمية .

وقولهم ذلك يُحتمل أن يكونَ نفياً للعلم بالرؤيا مطلقاً ، وأن يكونَ نفياً للعلم بتأويل الأضغاث منها خاصةً دونَ المنام الصحيح . وقال أبو البقاء : " بتأويل أضغاث الأحلام لا بد من ذلك [ لأنهم لم يَدَّعوا الجهلَ بعبارة الرؤيا " انتهى . وقوله " الأحلام " وإنما كان واحداً ، قال الزمخشري كما تقول : " فلان يركب الخيل ويلبس عَمائم الخَزِّ ، لمَنْ لا يركب إلا فرساً واحداً ولا يتعمَّم إلا بعمامة واحدة ] تَزَيُّداً في الوصف " ، ويجوز أن يكونَ قَصَّ عليهم مع هذه الرؤيا غيرها .