غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{قَالُوٓاْ أَضۡغَٰثُ أَحۡلَٰمٖۖ وَمَا نَحۡنُ بِتَأۡوِيلِ ٱلۡأَحۡلَٰمِ بِعَٰلِمِينَ} (44)

36

حتى { قالوا } إنها { أضغاث أحلام } ونفوا عن أنفسهم كونهم عالمين بتأويلها . واعلم أن الله سبحانه خلق جوهر النفس الناطقة بحيث يمكنها الصعود إلى عالم الأفلاك ومطالعة اللوح المحفوظ إلا أن المانع لها عن ذلك في اليقظة هو اشتغالها بتدبير البدن وبما يرد عليها من طريق الحواس ، وفي وقت النوم تقل تلك الشواغل فتقوى النفس على تلك المطالعة ، فإذا وقفت الروح على حالة من تلك الأحوال فإن بقيت في الخيال كما شوهدت لم يحتج إلى التأويل ، وإن نزلت آثار مخصوصة مناسبة لذلك الإدراك الروحاني إلى عالم الخيال فهناك يفتقر إلى المعبر . ثم منها ما هي منتسقة منتظمة يسهل على المعبر الانتقال من تلك المتخيلات إلى الحقائق الروحانيات ، ومنها ما تكون مختلطة مضطربة لا يضبط تحليلها وتركيبها لتشويش وقع في ترتيبها وتأليفها فهي المسماة بالأضغاث . وبالحقيقة ، الأضغاث ما يكون مبدؤها تشويش القوة المتخيلة لفساد وقع في القوى البدنية ، أو لورود أمر غريب عليه من خارج ، لكن القسم المذكور قد يعد من الأضغاث من حيث إنها أعيت المعبرين عن تأويلها .

ولنشتغل بتفسير الألفاظ ، أما الملك فريان بن الوليد ملك مصر ، وقوله : { إني أرى } حكاية حال ماضية . وسمان جمع سمينة وسمين وسمينة يجمع على سمان كما يقال : رجال كرام ونسوة كرام قال النحويون : إذا وصف المميز فالأولى أن يوقع الوصف وصفاً للمميز كما في الآية دون العدد ، لأنه ليس بمقصود بالذات فلهذا قيل سمان بالجر ليكون وصفاً لبقرات ، ويحصل التمييز لسبع بنوع من البقرات وهي السمان منهن ، ولو نصب جعل تمييز السبع بجنس البقرات أولاً ثم يعلم من الوصف أن المميز بالجنس موصوف بالسمن . والعجف هو الهزال الذي ليس بعده هزال ، والنعت أعجف وعجفاء وهما لا يجمعان على فعال ولكنه حمل على سمان لأنه نقيضه . وقوله سبع عجاف تقديره بقرات سبع عجاف فحذف للعلم به كما في قوله : { وأخر يابسات } التقدير وسبعاً أخر لانصباب المعنى إلى هذا العدد . وإنما لم يقال سبع عجاف على الإضافة لأن البيان لا يقع بالوصف وحده . وقولهم " ثلاثة فرسان " و " خمسة أصحاب " لأنه وصف جرى مجرى الاسم ، ولا يجوز أن يكون قوله { وأخر } مجروراً عطفاً على { سنبلات } لأن لفظ الأخر يأباه ويبطل مقابلة السبع بالسبع ، وأراد بالملأ الأعيان من العلماء والحكماء ، واللام في { للرؤيا } للبيان كما قلنا في

{ وكانوا فيه من الزاهدين } [ يوسف : 20 ] أو لأن عمل العامل فيما تقدم عليه يضعف فيعضد باللام كما يعضد اسم الفاعل بها وإن تأخر معموله ، أو لأن قوله : { للرؤيا } خبر " كان " كقوله هو لهذا الأمر أي متمكن من مستقل به و{ تعبرون } خبر آخر أو حال أو لتضمن { تعبرون } معنى تنتدبون لعبارة الرؤيا والفصيح عبرت الرؤيا بالتخفيف ، وقد يشدد واشتقاقه من العبر بالكسر فالسكون وهو جانب النهر فيقال : عبرت النهر إذا قطعته حتى تبلغ آخر عرضه ، وعبرت الرؤيا إذا تأملت ناحيتها فانتقلت من أحد الطرفين إلى الآخر . والأضغاث جمع ضغث وهو الحزمة من أنواع النبت والحشيش مما طال ولم يقم على ساق ، والإضافة بمعنى من أي أضغاث من أحلام والصيغة للجمع ولكن الواحد قد يوصف به كما قال : رمح أقصاد وبرمة أعشار . فالمراد هي حلم أضغاث أحلام . وقد يطلق الجمع ويراد به الواحد كقولهم " فلان يركب الخيل ويلبس العمائم " وإن لم يركب إلا فرساً واحداً ولم يلبس إلا عمامة واحدة . ويجوز أن يكون قد قص عليهم أحلاماً أخر . واللام في { الأحلام } اما للعهد كأنهم أرادوا المنامات الباطلة ، أو للجنس وأرادوا أنهم غير متبحرين في علم تأويل الرؤيا . ولما أعضل على الملأ تأويل رؤيا الملك تذكر الناجي يوسف وتأويله رؤياه ورؤيا صاحبه المصلوب ، وتذكر قوله : { اذكرني عند ربك } وذلك قوله سبحانه : { واذكر } وأصله " اذتكر " قلبت التاء والذال كلاهما دالاً مهملة وأدغمت . { بعد أمة } أي بعد حين كأنها حصلت من اجتماع أيام كثيرة . وقرىء بكسر الهمزة وهي النعمة أي بعد ما أنعم عليه بالنجاة . وقرىء { بعد أمه } بوزن عمه .

/خ53