{ 6 } { وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ }
لما ذكر تعالى إنكار من أنكر البعث ، وأنهم يرون ما أنزل على رسوله ليس بحق ، ذكر حالة الموفقين من العباد ، وهم أهل العلم ، وأنهم يرون ما أنزل اللّه على رسوله من الكتاب ، وما اشتمل عليه من الأخبار ، هو الحق ، أي : الحق منحصر فيه ، وما خالفه وناقضه ، فإنه باطل ، لأنهم وصلوا من العلم إلى درجة اليقين .
ويرون أيضا أنه في أوامره ونواهيه { يَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } وذلك أنهم جزموا بصدق ما أخبر به من وجوه كثيرة : من جهة علمهم بصدق من أخبر به ، ومن جهة موافقته للأمور الواقعة ، والكتب السابقة ، ومن جهة ما يشاهدون من أخبارها ، التي تقع عيانا ، ومن جهة ما يشاهدون من الآيات العظيمة الدالة عليها في الآفاق وفي أنفسهم ومن جهة موافقتها ، لما دلت عليه أسماؤه تعالى وأوصافه .
ويرون في الأوامر والنواهي ، أنها تهدي إلى الصراط المستقيم ، المتضمن للأمر بكل صفة تزكي النفس ، وتنمي الأجر ، وتفيد العامل وغيره ، كالصدق والإخلاص وبر الوالدين ، وصلة الأرحام ، والإحسان إلى عموم الخلق ، ونحو ذلك . وتنهى عن كل صفة قبيحة ، تدنس النفس ، وتحبط الأجر ، وتوجب الإثم والوزر ، من الشرك ، والزنا ، والربا ، والظلم في الدماء والأموال ، والأعراض .
وهذه منقبة لأهل العلم وفضيلة ، وعلامة لهم ، وأنه كلما كان العبد أعظم علما وتصديقا بأخبار ما جاء به الرسول ، وأعظم معرفة بحكم أوامره ونواهيه ، كان من أهل العلم الذين جعلهم اللّه حجة على ما جاء به الرسول ، احتج اللّه بهم على المكذبين المعاندين ، كما في هذه الآية وغيرها .
ثم بين - سبحانه - موقف أهل العلم النافع مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من عند ربه ، وموقف الكافرين من ذلك ، ورد - سبحانه - على هؤلاء الكافرين بما يثبت ضلالهم وجهلهم ، فقال - تعالى - : { وَيَرَى الذين أُوتُواْ العلم . . . لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ } .
والمراد بالرؤية فى قوله - تعالى - : { وَيَرَى الذين أُوتُواْ العلم } المعرفة والعلم واليقين . والمراد بالذين أوتوا العلم : المؤمنون الصادقون الذين اتبعوا النبى صلى الله عليه وسلم فى كل ما جاءهم به من عند ربه ، سواء أكانوا من العرب أم من غيرهم ، كمؤمنى أهل الكتاب من اليهود والنصارى .
والجملة الكريمة مستأنفة لمدح هؤلاء العلماء العقلاء على إيمانهم بالحق ، أو معطوف على يجزى فى قوله - تعالى - قبل ذلك : { لِّيَجْزِيَ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات } والمراد ب { الذي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } القرآن الكريم .
والمعنى : لا تحزن - أيها الرسول الكريم - لما يقوله الكافرون بشأنك ولما يفعلونه لإِبطال دعوتك ، فإن الذين أوتوا العلم وهم أتباعك الصادقون ، يعلمون ويعتقدون أن ما أنزل إليك من ربك هو الحق الذى لا يحوم حوله باطل ، وهو الصدق الذى لا يشوبه كذب ، وهو الكتاب الذى يهدى من اتبعه وأطاع توجيهاته إلى دين الله - تعالى - ، العزيز ، الذى يقهر ولا يقهر { الحميد } أى المحمود فى جيمع شئونه .
والمفعول الأول ليرى قوله : { الذي أُنزِلَ } . . والمفعول الثانى " الحق " و " هو " ضمير فصل متوسط بين المفعولين و " يهدى " معطوف على المفعول الثانى من باب عطف الفعل على الاسم لتأويله به ، أى : يرونه حقا وهاديا .
وعبر - سبحانه - عن إيمان أهل العلم بما جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله : { وَيَرَى } ، للإِشعار بأنهم قد آمنوا هذا الإِيمان الجازم عن إدراك ومشاهدة ويقين ، وأنهم قد صاروا لا يشكون فى كون هذا المُنَزَّل عليه من ربه ، هو الحق الهادى إلى الصراط المستقيم .
وفى وصفهم بقوله : { أُوتُواْ العلم } ثناء عظيم عليهم ، لأنهم انتفعوا بعلمهم وسخروه لخدمة الحق ، وللشهادة له بأنه حق ، ويهدى إلى السعادة الدينية والدنيوية والأخروية .
وهكذا العلماء العاملون بمقتضى علمهم النافع . يكونون أنصارا للحق والهدى فى كل زمان ومكان .
{ ويرى الذين أتوا العلم } ويعلم أولو العلم من الصحابة ومن شايعهم من الأمة أو من مسلمي أهل الكتاب . { الذي أنزل إليك من ربك } القرآن . { هو الحق } ومن رفع { الحق } جعل هو مبتدأ و { الحق } خبره والجملة ثاني مفعولي { يرى } ، وهو مرفوع مستأنف للاستشهاد بأولي العلم على الجهلة الساعين في الآيات . وقيل منصوب معطوف على { ليجزي } أي وليعلم أولو العلم عند مجيء الساعة أنه الحق عيانا كما علموه الآن برهانا { ويهدي إلى صراط العزيز الحميد } الذي هو التوحيد والتدرع بلباس التقوى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.