معاني القرآن للفراء - الفراء  
{وَيَرَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ ٱلۡحَقَّ وَيَهۡدِيٓ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَمِيدِ} (6)

وقوله : { وَيَرَى الَّذِينَ6 } ( يرى ) في موضع نصب . معناه : ليجزى الذين ، وليرى الذين ( قرأ الآية ) وإن شئت استأنفتَها فرفعتها ، ويكون المعنى مُستأنفاً ليسَ بمردود على كىْ .

وقوله { وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ } نصبت ( العلم ) لخروجه مما لم نُسمّ فاعله . ورفعت { الذينَ } ب ( يرى ) . وإنما مَعْناه : ويرى الذين أوتوا التوراة : عبدُ الله بن سَلاَم وأصحابُه من مُسْلمة أهل الكتاب . وقوله { هُوَ الْحَقُّ } ( هو ) عماد للذي . فتنصب { الحقَّ } إذا جعلتها عماداً . ولو رفعتَ { الحقّ } على أن تجعل ( هو ) اسما كان صَوَاباً . أنشدني الكسائي :

ليت الشباب هو الرجِيعُ على الفتى *** والشيبَ كان هو البَديء الأوّلُ

فرفع في ( كان ) ونصب في ( ليت ) ويجوز النصب في كلّ ألف ولام ، وفي أفعلَ منك وجنسِه . ويجوز في الأسماء الموضوعة للمعرفة . إلا أنَّ الرفع في الأسماء أكثر . تقول : كان عبدُ الله هو أخوك ، أكثر من ، كان عبد الله هو أخاك . قال الفراء : يجيز هذا ولا يجيزه غيره منَ النحويّينَ . وكان أبو محمّد هو زيدٌ كلامُ العرب الرفع . وإنما آثروا الرفع في الأسماء لأن الألِف واللام أُحدِثتا 151 ا عماداً لما هي فيه . كما أُحدثت ( هو ) عماداً للاسم الذي قبلها . فإذا لم يجدوا في الاسم الذي بعدها ألفاً ولاما اختاروا الرفع وشبَّهوها بالنكرة ؛ لأنهم لا يقولونَ إلاّ كانَ عبد الله هو قائم . وإنما أجازوا النصب في أفضل منك وجنسِه لأنه لا يوصَل فيه إلى إدخال الألف واللام ، فاستجازوا إعمال معناهما وإن لم تظهر . إذ لم يمكن إظهارها . وأما قائم فإنك تقدر فيه على الألف واللام ، فإذا لم تأتِ بهما جعلوا هو قبلها اسما ليست بعمادٍ إذ لم يُعمد الفعل بالألف واللام قال الشاعر :

أجِدَّك لَنْ تزال نجِىَّ هَمٍّ *** تبيتُ الليلَ أنت له ضجيع