روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَيَرَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ ٱلۡحَقَّ وَيَهۡدِيٓ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَمِيدِ} (6)

{ وَيَرَى الذين أُوتُواْ العلم } أي ويعلم أولوا العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يطأ أعقابهم من أمته عليه الصلاة والسلام أو من آمن من علماء أهل الكتاب كما روي عن قتادة كعبد الله بن سلام . وكعب . وأضرابهما رضي الله تعالى عنهم { الذي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ } أي القرآن { هُوَ الحق } بالنصب على أنه مفعول ثان ليرى والمفعول الأول هو الموصول الثاني و { هُوَ } ضمير الفصل .

وقرأ ابن أبي عبلة بالرفع على جعل الضمير مبتدأ وجعله خبراً والجملة في موضع المفعول الثاني ليرى وهي لغة تميم يجعلون ما هو فصل عند غيرهم مبتدأ ، وقوله تعالى : { وَيَرَى } الخ ابتداء كلام غير معطوف على ما قبله مسوق للاستشهاد بأولى العلم على الجهلة الساعين في الآيات . وفي الكشف هو عطف على قوله تعالى : { وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لاَ تَأْتِينَا الساعة } [ سبأ : 3 ] على معنى وقال الجهلة : لا ساعة وعلم أولى العلم أنه الحق الذي نطق به المنزل إليك الحق وتعقب بأنه تكلف بعيد فإن دلالة النظم الكريم على الاهتمام بشأن القرآن لا غير ، وقيل عليه : أنت خبير بأن ما قبله من قوله تعالى : { وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لاَ تَأْتِينَا الساعة } [ سبأ : 3 ] وقوله سبحانه : { وَقَالَ الذين كَفَرُواْ هَلْ نَدُلُّكُمْ } [ سبأ : 7 ] الخ في شأن الساعة ومنكري الحشر فكيف يكون ما ذكر بعيداً بسلامة الأمير فذكر حقية القرآن بطريق الاستطراد والمقصود بالذات حقية ما نطق به من أمر الساعة ، وقال الطبري . والثعلبي : إن { يرى } منصوب بفتحة مقدرة عطفاً على يجزي أي وليعلم أولو العلم عند مجيء الساعة معاينة أنه الحق حسبما علموه قبل برهانا ويحتجوا به على المكذبين وعليه فقوله تعالى : { والذين سَعَوْاْ } معطوف على الموصول الأول أو مبتدأ والجملة معترضة فلا يضر الفصل كما توهم ، وجوز أن يراد بأولي العلم من لم يؤمن من الأحبار أي ليعلموا يومئذ أنه هو الحق فيزدادوا حسرة وغماً . وتعقب بأن وصفهم بأولي العلم يأباه لأنه صفة مادحة ولعل المجوز لا يسلم هذا ، نعكم كون ذلك بعيداً لا ينكر لاسيما وظاهر المقابلة بقوله تعالى : { وَقَالَ الذين كَفَرُواْ } [ سبأ : 3 ] يقتضي الحمل على المؤمنين { وَيَهْدِى إلى صِرَاطِ العزيز } الذي يقهر ولا يقهر { الحميد } المحمود في جميع شؤونه عز وجل ، والمراد بصراطه تعالى التوحيد والتقوى ، فاعل يهدي إما ضمير { الذي أَنزَلَ } أو ضمير الله تعالى ففي { العزيز الحميد } التفات ، والجملة على الأول إما مستأنفة أو في موضع الحال من { الذي } على إضمار مبتدأ أي وهو يهدي كما في قوله :

نجوت وأرهنهم مالكاً *** أو معطوفة على { الحق } بتقدير وإنه يهدي وجوز أن يكون يهدي معطوفاً على { الحق } عطف الفعل على الاسم لأنه في تأويله كما في قوله تعالى : { صافات وَيَقْبِضْنَ } أي قابضات وبعكسه قوله :

وألفيته يوماً يبير عدوه *** وبحر عطاء يستحق المعابرا