الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَيَرَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ ٱلۡحَقَّ وَيَهۡدِيٓ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَمِيدِ} (6)

قوله : { وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ } : فيه وجهان ، أحدهما : أنه عطفٌ على " ليَجْزِيَ " قال الزمخشري : " أي : وليعلمَ الذين أُوتُوا العِلْمَ عند مجيءِ الساعة " . قلت : إنما قَيَّده بقولِه : " عند مجيءِ السَّاعةِ " لأنه عَلَّق " ليجزيَ " بقوله : " لتأتينَّكم " ؛ فبنى هذا عليه ، وهو من أحسنِ ترتيب . والثاني : أنه مستأنَفٌ أخبر عنهم بذلك ، و " الذي أُنْزِلَ " هو المفعول الأولُ و " هو " فصلٌ و " الحقَّ " مفعولٌ ثانٍ ؛ لأنَّ الرؤيةَ عِْلمية .

وقرأ ابن أبي عبلة " الحقُ " بالرفع على أنه خبرُ " هو " . والجملةُ في موضعِ المفعول الثاني وهو لغةُ تميمٍ ، يجعلون ما هو فصلٌ مبتدأً ، و " مِنْ رَبِّك " حالٌ على القراءتين .

قوله : " ويَهْدِي " فيه أوجهٌ ، أحدها : أنه مستأنفٌ . وفي فاعله احتمالان ، أظهرهما : أنه ضميرُ الذي أُنْزِل . والثاني : ضميرُ اسمِ الله ويَقْلَقُ هذا لقولِه إلى صراط العزيز ؛ إذ لو كان كذلك لقيل : إلى صراطه . ويُجاب : بأنه مِنْ الالتفاتِ ، ومِنْ إبرازِ المضمر ظاهراً تنبيهاً على وَصْفِه بها بين الصفتين .

الثاني من الأوجه المتقدمة : أنه معطوفٌ/ على موضع " الحقَّ " و " أَنْ " معه مضمرةٌ تقديره : هو الحقَّ والهداية .

الثالث : أنه عطفٌ على " الحق " عطفُ فعلٍ على اسم لأنه في تأويلِه كقوله تعالى : { صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ } [ الملك : 19 ] أي : وقابضاتٍ ، كما عُطِفَ الاسمُ على الفعلِ لأن الفعلَ بمعناه .

كقول الشاعر :

3715 فأَلْفَيْتُه يوماً يُبير عدوَّه *** وبحرَ عطاءٍ يستخِفُّ المعابرا

كأنه قيل : ولِيَروْه الحقَّ وهادياً .

الرابع : أنَّ " ويَهْدي " حالٌ من " الذي أُنْزِل " ، ولا بُدَّ من إضمارِ مبتدأ أي : وهو يَهْدي نحو :

3716 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** نَجَوْتُ وأَرْهَنُهُمْ مالِكا

وهو قليلٌ جداً .