التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{وَيَرَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ ٱلۡحَقَّ وَيَهۡدِيٓ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَمِيدِ} (6)

{ ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد ( 6 ) } [ 6 ] .

يرى : هنا بمعنى يعلم أو يدرك .

الآية معطوفة على سابقاتها ، وقد احتوت تقرير كون ما احتوته الآيات القرآنية من توكيد البعث الأخروي وقدرة الله تعالى عليه وحكمته فيه ، شأنه أن يجعل الذين أوتوا العلم يتأكدون من أن ما أنزل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم من ربه هو الحق الهادي إلى صراط الله العزيز المستحق للحمد وحده .

تعليق على جملة

{ ويرى الذين أوتوا العلم }

وعلى رواية مدنية الآية [ 6 ]

التي جاءت فيها

وقد تعددت أقوال المفسرين للمقصود في جملة { الذين أوتوا العلم } حيث قال بعضهم : إنها عنت أهل الكتاب أو بعض مسلمي اليهود منهم ، وبعضهم : إنها عنت أولي العلم من أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وبعضهم إنها عنت أولي العلم والفهم إطلاقا{[1724]} . ونحن نرجح القول الأخير حيث يكون معنى الآية : ( إن كل ذي علم وفهم وإذعان يدرك صدر ما أكدته الآيات القرآنية من حكمة البعث وقدرة الله عليه ، ويتأكد من أن القرآن لا بد من أن يكون حقا منزلا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الله عز وجل ليهدي الناس إلى صراط الله القويم . ومع هذا فالأقوال الثانية لا تخلو من وجاهة ، وقد ورد في بعض آيات السورة المفسرة السابقة حكاية اعتراف أهل العلم والكتاب بصحة نزول القرآن من الله هاديا للناس مثل آيات سورة الأنعام [ 114 ] وآيات سورة الإسراء [ 107 – 109 ] والقصص [ 52 – 55 ] .

وقد روى المصحف الذي اعتمدنا عليه أن الآية مدنية ، وروى بعض المفسرين{[1725]} أنها نزلت في عبد الله بن سلام أو غيره من مسلمة يهود المدينة الذين شهدوا بصدق القرآن ونبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم . والروايات غير موثقة ، والآية إلى ذلك منسجمة أشد الانسجام مع ما قبلها وما بعدها . وفي حالة انفرادها في النزول لا تؤدي المعنى الذي شرحناه شرحا نرجو أن يكون الصواب والحق . وحتى على فرض أن يكون المقصود من جملة { الذين أوتوا العلم } أهل الكتاب ، فإن هذا لا يقتضي أن يكون المقصودون هم مسلمة يهود المدينة . فقد كان في مكة يهود ونصارى ، وقد أسلموا وشهدوا بصحة الرسالة المحمدية وصدق صلة القرآن بالله على ما ذكرته آيات مكية عديدة مر بعضها في السور المفسرة السابقة المذكورة آنفا .


[1724]:انظر تفسير الآية في تفسير الكشاف والطبرسي.
[1725]:انظر تفسير الطبري.