معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَفِي خُسۡرٍ} (2)

{ إن الإنسان لفي خسر } أي خسران ونقصان ، قيل : أراد به الكفار ، بدليل أنه استثنى المؤمنين ، والخسران : ذهاب رأس مال الإنسان في هلاك نفسه وعمره بالمعاصي ، وهما أكبر رأس ماله .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَفِي خُسۡرٍ} (2)

محل أفعال العباد وأعمالهم أن كل إنسان خاسر ، والخاسر ضد الرابح .

والخسار مراتب متعددة متفاوتة :

قد يكون خسارًا مطلقًا ، كحال من خسر الدنيا والآخرة ، وفاته النعيم ، واستحق الجحيم .

وقد يكون خاسرًا من بعض الوجوه دون بعض ، ولهذا عمم الله الخسار لكل إنسان .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَفِي خُسۡرٍ} (2)

وقوله - سبحانه - : { إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ . . . } جواب القسم ، والمراد بالإِنسان : جنسه ، ويدخل فيه الكافر دخولا أوليا . والخسر مثل الخسران ، كالكفر بمعنى الكفران . .

أى : إن جنس الإِنسان لا يخلو من خسران ونقصان وفقدان للربح فى مساعيه وأعماله طوال عمره ، وإن هذا الخسران يتفاوت قوة وضعفا .

فأخسر الأخسرين هو الكافر الذى أشرك مع خالقه إلها آخر فى العبادة ، وأقل الناس خسارة هو المؤمن الذى خلط عملا صالحا بآخر سيئا ، ثم تاب إلى الله - تعالى - توبة صادقة .

وجاء الكلام بأسلوب القسم ، لتأكيد المقسم عليه ، وهو أن جنس الإِنسان فى خسر .

وقال - سبحانه - : { لَفِى خُسْرٍ } للإِشعار بأن الإِنسان كأنه مغمور بالخسر ، وأن هذا الخسران قد أحاط به من كل جانب ، وتنكير لفظ " خسر " للتهويل ، أي : لفي خسر عظيم .

   
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَفِي خُسۡرٍ} (2)

وتعريف { الإنسان } تعريف الجنس مراد به الاستغراق وهو استغراق عرفي لأنه يستغرق أفراد النوع الإِنساني الموجودين في زمن نزول الآية وهو زمن ظهور الإِسلام كما علمت قريباً . ومخصوص بالناس الذين بلغتهم الدعوة في بلاد العالم على تفاوتها . ولما استُثني منه الذين آمنوا وعملوا الصالحات بقي حكمه متحققاً في غير المؤمنين كما سيأتي . . .

والخُسر : مصدر وهو ضد الربح في التجارة ، استعير هنا لسوء العاقبة لمن يظن لنفسه عاقبةً حسنة ، وتلك هي العاقبة الدائمة وهي عاقبة الإِنسان في آخرته من نعيم أو عذاب .

وقد تقدم في قوله تعالى { فما ربحت تجارتهم } في سورة البقرة ( 16 ) وتكررت نظائره من القرآن آنفاً وبَعيداً .

والظرفية في قوله : { لفي خسر } مجازية شبهت ملازمة الخسر بإحاطة الظرف بالمظروف فكانت أبلغ من أن يقال : إن الإنسان لخاسر .

ومجيء هذا الخبر على العموم مع تأكيده بالقَسم وحرفِ التوكيد في جوابه ، يفيد التهويل والإِنذار بالحالة المحيطة بمعظم الناس .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَفِي خُسۡرٍ} (2)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول : إن ابن آدم لفي هلَكة ونقصان . وكان عليّ رضي الله عنه يقرأ ذلك : «إنّ الإنْسانَ لَفِي خُسْرٍ ، وإنه فيه إلى آخر الدهر » . ...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

إن الدنيا وما فيها كأنها خلقت ، وأنشئت متجرا للخلق ، والناس فيها تجار كما ذكر في غير آية من القرآن ، قال الله تعالى : { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة } ( التوبة : 111 ) وقال : { هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم } ( الصف : 10 ) أي { إن الإنسان لفي خسر } من تجارته ومبايعته . ...

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

يعني بالإنسان جنس الناس . وفي الخسر أربعة أوجه :

أحدها : لفي هلاك ، قاله السدي .

الثاني : لفي شر ، قاله زيد بن أسلم .

الثالث : لفي نقص ، قاله ابن شجرة .

الرابع : لفي عقوبة ، ومنه قوله تعالى : { وكان عاقبة أمْرِها خُسْراً } ...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

جواب القسم . وفيه إخبار من الله أن الإنسان -يعني الكافر- { لفي خسر } أي لفي نقصان بارتكاب المعاصي ، وكفره بالله . والخسر هلاك رأس المال للإنسان ، وبارتكاب المعاصي في هلاك نفسه خسران ، وهو أكبر من رأس ماله . ...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

و «الخسر » : النقصان وسوء الحال ، وذلك بين غاية البيان في الكافر ؛ لأنه خسر الدنيا والآخرة ، وذلك هو الخسران المبين . وأما المؤمن وإن كان في خسر دنياه في هرمه وما يقاسيه من شقاء هذه الدار ، فذلك معفو عنه في جنب فلاحه في الآخرة وربحه الذي لا يفنى ، ومن كان في مدة عمره في التواصي بالحق والصبر والعمل بحسب الوصاة فلا خسر معه ، وقد جمع له الخير كله ، ...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

... واعلم أن الله تعالى قرن بهذه الآية قرائن تدل على مبالغته تعالى في بيان كون الإنسان في خسر؛

( أحدها ) : قوله : { لفي خسر } يفيد أنه كالمغمور في الخسران ، وأنه أحاط به من كل جانب.

( وثانيها ) : كلمة إن ، فإنها للتأكيد.

( وثالثها ) : حرف اللام في { لفي خسر } ، وههنا احتمالان :

الأول : في قوله تعالى : { لفي خسر } أي في طريق الخسر ، وهذا كقوله في أكل أموال اليتامى : { إنما يأكلون في بطونهم نارا } لما كانت عاقبته النار .

الاحتمال الثاني : أن الإنسان لا ينفك عن خسر ، لأن الخسر هو تضييع رأس المال ، ورأس ماله هو عمره ، وهو قلما ينفك عن تضييع عمره ، وذلك لأن كل ساعة تمر بالإنسان ؛ فإن كانت مصروفة إلى المعصية فلا شك في الخسران ، وإن كانت مشغولة بالمباحات فالخسران أيضا حاصل ، لأنه كما ذهب لم يبق منه أثر ، مع أنه كان متمكنا من أن يعمل فيه عملا يبقى أثره دائما ، وإن كانت مشغولة بالطاعات فلا طاعة إلا ويمكن الإتيان بها ، أو بغيرها على وجه أحسن من ذلك ، لأن مراتب الخضوع والخشوع لله غير متناهية ...

فإن قيل : إنه تعالى قال في سورة التين { لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين } فهناك يدل على أن الابتداء من الكمال والانتهاء إلى النقصان ، وههنا يدل على أن الابتداء من النقصان والانتهاء إلى الكمال ، فكيف وجه الجمع ؟

قلنا : المذكور في سورة التين أحوال البدن ، وههنا أحوال النفس فلا تناقض بين القولين ....

البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :

ومن باع آخرته بدنياه فهو في غاية الخسران ، بخلاف المؤمن ، فإنه اشترى الآخرة بالدنيا ، فربح وسعد . ...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ إن الإنسان } أي هذا النوع الذي هو أشرف الأنواع ، لكونه في أحسن تقويم ، كما أن العصر خلاصة الزمان ، والعصر يكون لاستخراج خلاصات الأشياء { لفي خسر } أي نقص بحسب مساعيهم في أهوائهم ، وصرف أعصارهم في أغراضهم ، لما لهم بالطبع من الميل إلى الحاضر ، والإعراض عن الغائب ، والاغترار بالفاني ، أعم من أن يكون الخسر قليلاً أو جليلاً بحسب تنوع الناس إلى أكياس وأرجاس ، فمن كان كافراً كان في كفران ، ومن كان مؤمناً عاصياً كان في خسران إن كان بالغاً في المعصية ، وإلا كان في مطلق الخسر ، وهو مدلول المصدر المجرد ....{ والعصر إن الإنسان لفي خسر } فالقصور شأنه ، والظلم طبعه ، والجهل جبلته ، فيحق أن يلهيه التكاثر ، ولا يدخل الله عليه روح الإيمان { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } إلى آخرها ، فهؤلاء الذين { لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله }[ النور : 37 ] انتهى . ...

أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن للشنقيطي 1393 هـ :

و{ إن الإنسان لفي خسر } ، جواب القسم ، والخسر : قيل : هو الغبن ، وقيل : النقص ، وقيل : العقوبة ، وقيل : الهلكة ، والكل متقارب . وأصل الخسر والخسران كالكفر والكفران ، النقص من رأس المال ، ولم يبين هنا نوع الخسران في أي شيء ؛ بل أطلق ليعم ، وجاء بحرف الظرفية ، ليشعر أن الإنسان مستغرق في الخسران ، وهو محيط به من كل جهة . ولو نظرنا إلى أمرين وهما المستثنى والسورة التي قبلها ، لاتّضح هذا العموم ؛ لأن مفهوم المستثنى يشمل أربعة أمور : عدم الإيمان وهو الكفر ، وعدم العمل الصالح وهو العمل الفاسد ، وعدم التواصي بالحق وهو انعدام التواصي كلية ، أو التواصي بالباطل ، وعدم التواصي بالصبر ، وهو إما انعدام التواصي كلية ، أو الهلع والجزع ....

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

الإنسان يخسر ثروته الوجودية شاء أم أبى : تمرّ الساعات والأيّام والأشهر والأعوام من عمر الإنسان بسرعة . تضعف قواه المادية والمعنوية . تتناقص قدرته باستمرار . نعم ، إنّه كشخص عنده ثروة عظيمة ، وهذه الثروة يؤخذ منها كلّ يوم شيء باستمرار رغم إرادته ، هذه طبيعة الحياة الدنيوية . . . طبيعة الخسران المستمر ! القلب له قدرة معينة على الضربان ، وحين تنفد هذه القدرة يتوقف القلب تلقائياً دون علّة من عيب أو مرض . هذا إذا لم يكن توقف الضربان نتيجة مرض . وهكذا سائر الأجهزة الوجودية للإنسان ، وثروات قدراته المختلفة . «خُسر » وخُسران ، كما يقول الراغب ، انتقاص رأس المال ، وينسب ذلك إلى الإنسان ، فيقال : خَسِرَ فلان ، وإلى الفعل فيقال : خسرت تجارته . قال تعالى : { تلك إذن كرة خاسرة } ، ويستعمل ذلك في المقتنيات الخارجية كالمال والجاه في الدنيا وهو الأكثر ، وفي المقتنيات النفسية كالصحة والسلامة والعقل والإيمان والثواب ، وهو الذي جعله اللّه تعالى الخسران المبين ، وقال : { الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ، ألا ذلك هو الخسران المبين } . ... على أي حال ، الدنيا في المنظور الإسلامي سوق تجارة ...

الآية الكريمة التي نحن بصددها تقول : كلّ النّاس في هذه السوق الكبرى خاسرون ، إلاّ مجموعة تسير على المنهج الذي تبيّنه الآية التالية . ...