اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَفِي خُسۡرٍ} (2)

قوله : { إِنَّ الإنسان لَفِي خُسْرٍ } ، هذا جواب القسم ، والمراد به العموم ، بدليل الاستثناء منه ، وهو من جملة أدلة العموم .

وقال ابن عباس في رواية أبي صالح : المراد به الكافر .

وقال في رواية الضحاك{[60810]} : يريد جماعة من المشركين الوليد بن المغيرة والعاص ابن وائل والأسود بن عبد المطلب بن أسد بن عبد العزى والأسود بن عبد يغوث . وقوله تعالى : { لَفِي خُسْرٍ } أي : لفي غبنٍ .

وقال الأخفش : لفي هلكة .

وقال الفراء : لفي عقوبة ، ومنه قوله : { وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً } [ الطلاق : 9 ] ، وقال الفراء : لفي شرّ .

وقيل : لفي نقص .

والمعنى متقارب .

وقرأ العامة : «لفي خُسرٍ » بسكون السين ، وزيد بن علي ، وابن هرمز ، وعاصم في رواية أبي بكر ، وزاد القرطبيُّ : الأعرج ، وطلحة ، وعيسى الثقفي{[60811]} : بضمها . وهي كالعسر واليسر ، وقد تقدم في البقرة ، والوجه فيها الاتباع ، ويقال : خسْر وخسُر مثل عسْر وعسُر .

وقرأ علي بن أبي طالب{[60812]} : ( والعصر ونوائب الدهر ، إِنَّ الإنسان لَفِي خُسْرٍ ، وإنه فيه إلى آخر الدهر ) .

قال إبراهيم : إن الإنسان إذا عُمِّرَ في الدنيا وهرم لفي نقص ، وضعف ، وتراجع ، إلا المؤمنين ، فإنهم يكتب لهم أجورهم التي كانوا يعملونها في حال شبابهم ، ونظيره قوله تعالى : { لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ } [ التين : 4 ، 5 ] ، قال : وقراءتنا : ( والعصر إنّ الإنسان لفي خُسْر فإنه في آخر الدهر ) والصحيح ما عليه الأمّة والمصاحف .

[ وقيل : المعنى أن الإنسان لا ينفك عن تضييع عمره ؛ لأن كل ساعة تمر بالإنسان ، فإن كان في المعصية ، فالخسر ظاهر ، وكذلك إن مرت في مباح ، وإن مرت في طاعة فكان يمكن أن يأتي بها على وجه أكمل ، أي من الخشوع ، والإخلاص . وترك الأعلى والإتيان بالأدنى نوع خسران . والخسر والخسران مصدران ، وتنكير الخسران إما للتعظيم ، وإما للتحقير بالنسبة إلى خسر الشياطين ، والأول أظهر ، وأفرد الخسر مع كثرة أنواعه ؛ لأن الخسر الحقيقي هو حرمان عن خدمة ربه سبحانه ، وما عدا ذلك فالكعدم ، وفيه مبالغات ، ودخول «إن ، واللام » ، وإحاطة الخسر به ، أي : هو في طريق خسر وسبب خسر ]{[60813]} .


[60810]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (20/123).
[60811]:ينظر: المحرر الوجيز 5/520، والقرطبي 20/123، والبحر المحيط 8/508، والدر المصون 6/567.
[60812]:ينظر: الجامع لأحكام القرآن 20/123.
[60813]:ينظر: المحرر الوجيز 5/520، والقرطبي 20/123، والبحر المحيط 8/508، والدر المصون 6/567.