نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَفِي خُسۡرٍ} (2)

{ إن الإنسان } أي هذا النوع الذي هو أشرف الأنواع ، لكونه في أحسن تقويم ، كما أن العصر خلاصة الزمان ، والعصر يكون لاستخراج خلاصات الأشياء { لفي خسر * } أي نقص بحسب مساعيهم في أهوائهم ، وصرف أعصارهم في أغراضهم ، لما لهم بالطبع من الميل إلى الحاضر ، والإعراض عن الغائب ، والاغترار بالفاني ، أعم من أن يكون الخسر قليلاً أو جليلاً بحسب تنوع الناس إلى أكياس وأرجاس ، فمن كان كافراً كان في كفران ، ومن كان مؤمناً عاصياً كان في خسران إن كان بالغاً في المعصية ، وإلا كان في مطلق الخسر ، وهو مدلول المصدر المجرد ، وفي هذا إشارة إلى العلم بالاحتياج إلى إرسال الرسل لبيان المرضي لله من الاعتقادات والعبادات والعادات إيماناً وإسلاماً ، وإدامة لذلك ، ليكون فاعله من قبضة اليمين ، وتاركه من أصحاب الشمال .

وقال الأستاذ أبو جعفر ابن الزبير : لما قال تعالى : { ألهاكم التكاثر } وتضمن ذلك الإشارة إلى قصور نظر الإنسان ، وحصر إدراكه في العاجل دون الآجل الذي فيه فوزه وفلاحه ، وذلك لبعده عن العلم بموجب الطبع { إنه كان ظلوماً جهولاً }[ الأحزاب : 72 ] أخبر سبحانه أن ذلك شأن الإنسان بما هو إنسان ، فقال { والعصر إن الإنسان لفي خسر } فالقصور شأنه ، والظلم طبعه ، والجهل جبلته ، فيحق أن يلهيه التكاثر ، ولا يدخل الله عليه روح الإيمان { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } إلى آخرها ، فهؤلاء الذين { لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله }[ النور : 37 ] انتهى .