غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَفِي خُسۡرٍ} (2)

أما اللام في الإنسان فإما المعهود معين كما روي عن ابن عباس أنه أراد جماعة من المشركين كالوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والأسود بن عبد المطلب . وعن مقاتل أنه أبو لهب . وفي خبر مرفوع أنه أبو جهل ، كانوا يقولون : إن محمداً لفي خسار ، فأقسم الله تعالى أن الأمر بالضد مما توهموه ، وعلى هذا يكون الاستثناء منقطعاً . والأكثرون على أن اللام للجنس ، ثم إن كان المراد بالخسر أي الخسران كالكفر والكفران هو الهلاك كان المراد جنس الإنسان على الإطلاق ، وإن كان المعنى بالخسر الضلال والكفر كان المراد جنس الكافر ، هكذا قال بعضهم . ولقائل أن يمنع لفرق ، ولا يخفى ما في " إن " ، ولام التأكيد ، وكلمة " في " ، وتنكير خسر من المبالغات ، فكأنه أثبت له جهات الخسر كلها ، والأعظم حرمانه عن جناب ربه . قال بعضهم : إن الإنسان لا ينفك من خسر ؛ لأن عمره رأس ماله ، فإفناء العمر فيما يمكن أن يكون خيراً منه عبارة عن الخسران . ووجهه أنه إن أفنى عمره في المعصية فخسره وحسرته ظاهران ، وإن كان مشغولاً بالمباحات فكذلك لأنه يمكنه أن يعمل فيه عملاً يبقى أثره ولذته دائماً ، وإن كان مشغولاً بالطاعات فلا طاعة إلا ويمكن الإتيان بها على وجه أحسن ؛ لأن مراتب الخضوع والعبادة غير متناهية ، كما أن جلال الله وجماله ليس لهما نهاية .

والتحقيق فيه أن الإنسان لا يكلف إلا ما هو وسعه وطوقه ، لا بالنسبة إلى نوعه ؛ بل بالنسبة إلى شخصه ، فإذا اجتنب المعاصي بقدر الإمكان ، واستعمل المباح بمقدار الضرورة والحاجة ، وأتى بالطاعة على حسب إمكانه ، لم يسم خاسراً ، ولكنه يكون أكمل الأشخاص البشرية ، فلهذا استثناه الله تعالى بقوله { إلا الذين آمنوا } إلى آخره .

وعن بعضهم أنه قال في " التين " : { لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين } [ التين :4 ] فابتدأ من الكمال إلى النقصان ، وقال هاهنا { لفي خسر إلا الذين آمنوا } فعكس القضية ؛ لأن ذلك مذكور في أحوال البدن ، وهذا مذكور في أحوال النفس . قلت : يمكن أن يقال : إن كلتا الآيتين في شأن النفس ، إلا أنه أراد في " التين " ذكر استعداده الفطري وهو كرأس المال ، وهاهنا أراد حكاية معاملته بعدما أعطى رأس المال . ولا ريب أن أكثرهم منهمكون في طلب اللذات العاجلة المضيعة للاستعداد الأصلي إلا الموفقين الموصوفين بالكمال والإكمال ، وفي إجمال الخسر وتسريحه إلى بقعة الإبهام .

/خ3