معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفۡعَلُونَ} (2)

{ سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم . يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون } قال المفسرون : إن المؤمنين قالوا : لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله عز وجل لعملناه ، ولبذلنا فيه أموالنا وأنفسنا . فأنزل الله عز وجل : { إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً } فابتلوا بذلك يوم أحد فولوا مدبرين ، فأنزل الله تعالى :{ لم تقولون ما لا تفعلون } ؟ وقال محمد بن كعب : لما أخبر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بثواب شهداء بدر ، قالت الصحابة لئن لقينا بعده قتالاً لنفرغن فيه وسعنا ، ففروا يوم أحد فعيرهم الله بهذه الآية . وقال قتادة والضحاك : نزلت في شأن القتال ، كان الرجل يقول : قاتلت ولم يقاتل ، وطعنت ولم يطعن ، فنزلت هذه الآية ، قال ابن زيد : نزلت في المنافقين كانوا يعدون النصر للمؤمنين وهم كاذبون .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفۡعَلُونَ} (2)

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ } أي : لم تقولون الخير وتحثون عليه ، وربما تمدحتم به وأنتم لا تفعلونه ، وتنهون عن الشر وربما نزهتم أنفسكم عنه ، وأنتم متلوثون به ومتصفون به .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفۡعَلُونَ} (2)

ثم وجه - سبحانه - نداء إلى المؤمنين فقال : { ياأيها الذين آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } .

وقد ذكروا فى سبب نزول هذه الآيات روايات منها : ما روى عن ابن عباس أنه قال : كان أناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون : لَوَدِدْنا أن الله - عز وجل - دلنا على أحب الأعمال إليه ، فنعمل به ، فأخبر الله نبيه أن أحب الأعمال إليه ، إيمان به لا شك فيه ، وجهاد أهل معصيته الذين خالفوا الإيمان ولم يقروا به .

فلما نزل الجهاد كره ذلك أناس من المؤمنين وشق عليهم أمره ، فنزلت هذه الآيات .

وقال قتادة والضحاك : نزلت توبيخا لقوم كانوا يقولون : قتَلْنَا ، ضرَبْنَا ، طَعَنَّا ، وفَعَلنْا ، ولم يكونوا فعلوا ذلك .

والاستفهام فى قوله - تعالى - : { لِمَ تَقُولُونَ } للانكار والتوبيخ على أن يقول الإنسان قولا لا يؤيده فعله ، لأن هذا القول إما أن يكون كذبا ، وإما أن يكون خلفا للوعد ، وكلاهما يبغضه الله - تعالى - .

و { لِمَ } مركبة من اللام الجارة ، وما الاستفهامية ، وحذفت ألف ما الاستفهامية مع حرف الجر ، تخفيفا لكثرة استعمالها معا ، كما فى قولهم : بِمَ ، وفِيمَ ، وعَمَّ .

أى : يا من آمنتم بالله واليوم الآخر . . . لماذا تقولون قولا ، تخالفه أفعالكم ، بأن تزعموا بأنكم لو كلفتم بكذا لفعلتموه ، فلما كلفتم به قصرتم فيه ، أو أن تقولوا بأنكم فعلتم كذا وكذا ، مع أنكم لم تفعلوا ذلك .

وناداهم بصفة الإيمان الحق ، لتحريك حرارة الإيمان فى قلوبهم ، وللتعريض بهم ، إذ من شأن الإيمان الحق أن يحمل المؤمن على أن يكون قوله مطابقا لفعله .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفۡعَلُونَ} (2)

وقوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ } ؟ إنكار على من يَعد عدَةً ، أو يقول قولا لا يفي به ، ولهذا استدل بهذه الآية الكريمة من ذهب من علماء السلف إلى أنه يجب الوفاء بالوعد مطلقا ، سواء ترتب عليه غُرم للموعود أم لا . واحتجوا أيضا من السنة بما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " آية المنافق ثلاث : إذا حَدَّث كذب ، إذا وَعَد أخلف ، وإذا اؤتمن خان " {[28767]} وفي الحديث الآخر في الصحيح : " أربع من كن فيه كان منافقا خالصًا ، ومن كانت فيه واحدة منهن كانت فيه خَصْلَة من نفاق حتى يَدَعها " {[28768]} - فذكر منهن إخلاف الوعد . وقد استقصينا الكلام على هذين الحديثين في أول " شرح البخاري " ، ولله الحمد والمنة . ولهذا أكد الله تعالى هذا الإنكار عليهم بقوله : { كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ }

وقد روى الإمام أحمدُ وأبو داود ، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال : أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم [ في بيتنا ]{[28769]} وأنا صبي قال : فذهبت لأخرج لألعب ، فقالت أمي : يا عبد الله : تعال أعطك . فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وما أردت أن تُعطِيه ؟ " . قالت : تمرا . فقال : " أما إنك لو لم تفعلي كُتِبت عليك كِذْبة " {[28770]}

وذهب الإمام مالك ، رحمه الله ، إلى أنه إذا تعلق بالوعد غُرم على الموعود وجب الوفاء به ، كما لو قال لغيره : " تزوج ولك علي كل يوم كذا " . فتزوجَ ، وجب عليه أن يعطيه ما دام كذلك ، لأنه تعلق به حق آدمي ، وهو مبني على المضايقة . وذهب الجمهور إلى أنه لا يجب مطلقا ، وحملوا الآية على أنها نزلت حين تمنوا فَرضِيَّة الجهاد عليهم ، فلما فرض نكل عنه بعضهم ، كقوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلا أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ } [ النساء : 77 ، 78 ] . وقال تعالى : { وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نزلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنزلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ } الآية [ محمد : 20 ] وهكذا هذه الآية معناها ، كما قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ } قال : كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون : لَوَدِدْنَا أن الله - عز وجل - دلنا على أحب الأعمال إليه ، فنعملَ به . فأخبر الله نبيه أن أحب الأعمال إيمانٌ به{[28771]} لا شك فيه ، وجهاد أهل معصيته الذين خالفوا الإيمان ولم يقروا به . فلما نزل الجهاد كره ذلك أناس من المؤمنين ، وشق عليهم أمره ، فقال الله سبحانه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ } ؟ . وهذا اختيار ابن جرير{[28772]} .

وقال مقاتل بن حَيّان : قال المؤمنون : لو نعلم أحبّ الأعمال إلى الله لعملنا به . فدلهم الله على أحب الأعمال إليه ، فقال : { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا } فبين لهم ، فابتلوا يوم أحد بذلك ، فولوا عن النبي صلى الله عليه وسلم مدبرين ، فأنزل الله في ذلك : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ } ؟ وقال : أحبكم إلي من قاتل في سبيلي .

ومنهم من يقول : أنزلت في شأن القتال ، يقول الرجل : " قاتلت " ، ولم يقاتل{[28773]} وطعنت " ولم يطعن و " ضربت " ، ولم يضرب و " صبرت " ، ولم يصبر .

وقال قتادة ، والضحاك : نزلت{[28774]} توبيخًا لقوم كانوا يقولون : " قتلنا ، ضربنا ، طعنا ، وفعلنا " . ولم يكونوا فعلوا ذلك .

وقال ابن يزيد : نزلت في قوم من المنافقين ، كانوا يَعدون المسلمين النصرَ ، ولا يَفُون لهم بذلك .

وقال مالك ، عن زيد بن أسلم : { لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ } ؟ ، قال : في الجهاد .

2


[28767]:- (5) صحيح البخاري برقم (33) وصحيح مسلم برقم (59) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[28768]:- (6) صحيح البخاري برقم (34) وصحيح مسلم برقم (58) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
[28769]:- (1) زيادة من المسند.
[28770]:- (2) المسند (3/447) وسنن أبي داود برقم (4991).
[28771]:- (3) في م: "إيمان بالله".
[28772]:- (4) تفسير الطبري (28/56).
[28773]:- (5) في م: "ولم أقاتل".
[28774]:- (6) في م: "أنزلت".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفۡعَلُونَ} (2)

ناداهم بوصف الإِيمان تعريضاً بأن الإِيمان من شأنه أن يزع المؤمن عن أن يخالف فعلُه قولَه في الوعد بالخير .

واللام لتعليل المستفهم عنه وهو الشيء المبْهم الذي هو مدلول { ما } الاستفهامية لأنها تدل على أمر مبهم يطلب تعيينه .

والتقدير : تقولون مَا لاَ تفعلون لأي سبب أو لأية علّة .

وتتعلق اللام بفعل { تقولون } المجرور مع حرف الجر لصدارة الاستفهام .

والاستفهام عن العلة مستعمل هنا في إنكار أن يكون سبب ذلك مرضياً لله تعالى ، أي أن ما يدعوهم إلى ذلك هو أمر منكر وذلك كناية عن اللوم والتحذير من ذلك كما في قوله تعالى : { قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل } في سورة البقرة ( 91 ) . فيجوز أن يكون القول الذي قالوه وعداً وعَدوه ولم يفوا به . ويجوز أن يكون خبراً أخبروا به عن أنفسهم لم يطابق الواقع . وقد مضى استيفاء ذلك في الكلام على صدر السورة .

وهذا كناية عن تحذيرهم من الوقوع في مثل ما فعلوه يوم أحد بطريق الرمز ، وكناية عن اللوم على ما فعلوه يوم أحد بطريق التلويح .

وتعقيب الآية بقوله : { إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً } [ الصف : 4 ] الخ . يؤذن بأن اللوم على وعد يتعلق بالجهاد في سبيل الله . وبذلك يلتئم معنى الآية مع حديث الترمذي في سبب النزول وتندحض روايات أخرى رويت في سبب نزولها ذكرها في « الكشاف » .

وفيه تعريض بالمنافقين إذ يظهرون الإِيمان بأقوالهم وهم لا يعملون أعمال أهل الإِيمان بالقلب ولا بالجسد . قال ابن زيد : هو قول المنافقين للمؤمنين نحن منكم ومعكم ثم يظهر من أفعالهم خلاف ذلك .