الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفۡعَلُونَ} (2)

{ يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } قال مقاتلان : قال المؤمنون قبل أن يؤمروا بالقتال : لو نعلم أحب الأعمال الى الله سبحانه لعلمناه وبذلنا فيه أموالنا وأنفسنا ، فدلّهم الله على أحب الأعمال إليه فقال : { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ } فبيّن لهم فابتلوا يوم أحد بذلك ، فولّوا عن النبي صلى الله عليه وسلم مدبرين فأنزل الله سبحانه هذه الآية .

وقال : الكلبي : قال : المؤمنون : يا رسول الله لو نعلم أحب الأعمال لفعلنا ونزل :{ هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } ثم أنقطع الكلام ولم يبين لهم شيئاً فمكثوا بعد ذلك ما شاء الله أن يمكثوا وهم يقولون : ليتنا نعلم ماهي أما والله إذن لأشتريناها بالأموال والأنفس والأهلين ، فدلّهم الله سبحانه فقال : { تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } الآية ، فأبتلوا بذلك يوم أحد ففرّوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صرع وشج في وجهه وكسرت رباعيته ، فنزلت هذه الآية يعيّرهم ترك الوفاء .

وقال محمد بن كعب : لما أخبر الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بثواب شهداء بدر قالت الصحابة : لئن لقينا بعده قتالا لنفرغن فيه وسعنا ففروا يوم أحد فعيّرهم الله بهذه الآية ، وقال ابن عباس : كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون : وددنا لو أن الله دلّنا على أحب الأعمال إليه فنعمل به ، فأخبرهم الله تعالى أن أفضل الأعمال إيمان لا شك فيه والجهاد ، فكره ذلك ناس منه وشق عليهم الجهاد وتباطؤوا عنه فأنزل الله سبحانه هذه الآية ، وقال : قتادة والضحاك : نزلتا في شأن القتال ، كان الرجل يقول : قتلت ولم يقاتل ، وطعنت ولم يطعن ، وضربت ولم يضرب ، وصبرت ولم يصبر .

وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن مقلاب قال : حدّثنا أبو الحرث أحمد بن سعيد بدمشق قال : حدّثنا يعقوب بن محمد الزهري قال : أخبرنا حصين بن حذيف الصهري قال : حدّثني عمي عن سعيد بن المسيب عن مهيب قال : كان رجل يوم بدر قد آذى المسلمين ونهاهم فقتله صهيب في القتال ، فقال رجل : يا رسول الله قتلت فلاناً ففرح بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمرو بن عبد الرحمن لصهيب : أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنك قتلته فأن فلاناً ينتحله ، فقال صهيب : إنما قتلته لله تعالى ولرسوله ، فقال عمرو بن عبدالرحمن : يا رسول الله قتله صهيب ، قال : كذلك يا أبا يحيى ؟ قال : نعم يا رسول الله ، فأنزل الله سبحانه :{ يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } والآية الأخرى .

وقال الحسن : هؤلاء المنافقون ندبهم الله سبحانه ونسبهم الى الأقرار الذي أعلنوه للمسلمين فأنزل الله فقال : { يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } كذباً وزوراً ، وقال : ابن زيد : نزلت في المنافقين كانوا يعدون المؤمنين النصر وهم كاذبون ، وقال : مجاهد : نزلت في نفر من الأنصار منهم عبد الله بن رواحة قال : في مجلس لهم : لو علمنا أي الأعمال أحب الى الله لعملنا بها حتى نموت ، فأنزل الله سبحانه هذه السورة فقال عبد الله بن رواحة : لا أبرح حبيساً في سبيل الله حتى أموت أو أُقتل فقتل بمؤته شهيداً رحمة الله عليه ورضوانه ، وقال : ميمون بن مهران : نزلت في الرجل يقرض نفسه بما لم يفعله نظيره ويحبون أن يحمدوا عما لم يفعلوا .

حدّثنا أبو القاسم الحسيني لفظاً قال : حدّثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبدوس الطرائفي قال : حدّثنا عمي سعيد الدارمي قال : حدّثنا محبوب بن موسى الأنطاكي قال : حدّثنا أبو إسحاق الفراري عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عبد الله بن سلام قال : خرجنا نتذاكر فقلنا : أيكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله أي الأعمال أحب الى الله ، ثم تفرقنا وَهِبنا أن يأتيه أحدنا ، فأرسل إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وجمعنا فجعل يومي بعضنا الى بعض فقرأ علينا { سَبَّحَ لِلَّهِ } الى آخرها .

قال أبو سلمة : فقرأها علينا عبد الله بن سلام الى آخرها قال يحيى بن أبي كثير : فقرأ علينا أبو سلمة الى آخرها ، قال الأوزاعي : فقرأ علينا يحيى بن إسحاق الى آخرها ، قال أبو إسحاق الفزاري : فقرأها علينا الأوزاعي الى آخرها ، قال محبوب بن موسى : قرأها علينا الفزاري الى آخرها ، قال عثمان بن سعيد : فقرأها علينا محبوب الى آخرها ، قال الطرائفي : فقرأها علينا عثمان بن سعيد الى آخرها ، قال القاسم : وقرأها علينا أبو الحسن الطرائفي الى آخره ، وقرأها علينا الإستاذ أبو القاسم الى آخرها وسألنا أحمد الثعلبي أن يقرأ فقرأ علينا إلى آخرها .