قوله تعالى : { قل } ، يا محمد لهؤلاء المشركين ، { لو كان معه آلهة كما يقولون } ، قرأ حفص و ابن كثير يقولون بالياء وقرأ الآخرون بالتاء ، { إذاً لابتغوا } ، لطلبوا يعني الآلهة { إلى ذي العرش سبيلاً } ، بالمبالغة والقهر ليزيلوا ملكه ، كفعل ملوك الدنيا بعضهم ببعض . وقيل : معناه لطلبوا إلى ذي العرش سبيلاً بالتقرب إليه . قال قتادة : ليعرفوا الله وفضله وابتغوا ما يقربهم إليه . والأول أصح .
ومن الأدلة على ذلك هذا الدليل العقلي الذي ذكره هنا فقال : { قُلْ } للمشركين الذين يجعلون مع الله إلها آخر : { لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ } أي : على موجب زعمهم وافترائهم { إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا } أي : لاتخذوا سبيلا إلى الله بعبادته والإنابة إليه والتقرب وابتغاء الوسيلة ، فكيف يجعل العبد الفقير الذي يرى شدة افتقاره لعبودية ربه إلها مع الله ؟ ! هل هذا إلا من أظلم الظلم وأسفه السفه ؟ " .
فعلى هذا المعنى تكون هذه الآية كقوله تعالى : { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ }
وكقوله تعالى : { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ }
ويحتمل أن المعنى في قوله : { قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا } أي : لطلبوا السبيل وسعوا في مغالبة الله تعالى ، فإما أن يعلوا عليه فيكون من علا وقهر هو الرب الإله ، فأما وقد علموا أنهم يقرون أن آلهتهم التي يعبدون{[473]} من دون الله مقهورة مغلوبة ليس لها من الأمر شيء فلم اتخذوها وهي بهذه الحال ؟ فيكون هذا كقوله تعالى : { مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ }
ثم أمر الله - تعالى - رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوبخهم على شركهم ، وأن يسوق لهم الدليل الواضح على فساد عقولهم ، فقال - تعالى - : { قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إلى ذِي العرش سَبِيلاً } .
وقد قرأ جمهور القراء { كما تقولون } وقرأ ابن كثير وحفص عن عاصم { كما يقولون } .
وللمفسرين فى تفسير هذه الآية اتجاهان ، أما الاتجاه الأول فيرى أصحابه أن المعنى .
قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء المشركين ، لو كان مع الله - تعالى - آلهة أخرى - كما يزعمون - إذا لطلبوا إلى ذى العرش - وهو الله عز وجل - طريقا وسبيلا لتوصلهم إليه ، لكى ينازعوه فى ملكه ، ويقاسموه إياه ، كما هى عادة الشركاء ، وكما هو ديدن الرؤساء والملوك فيما بينهم .
قال - تعالى - : { مَا اتخذ الله مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إله بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ سُبْحَانَ الله عَمَّا يَصِفُونَ } وقال سبحانه - : { لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ الله رَبِّ العرش عَمَّا يَصِفُونَ } وهذا الاتجاه قد صدر به صاحب الكشاف كلامه فقال ما ملخصه : قوله { إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إلى ذِي العرش سَبِيلاً } جواب عن مقالة المشركين وجزاء للو . أى : إذا لطلبوا إلى من له الملك والربوبية سبيلا بالمغالية ، كما يفعل الملوك بعضهم مع بعض . . .
وأما الاتجاه الثانى فيرى أصحابه أن المعنى : قل أيها الرسول لهؤلاء المشركين ، لو كان مع الله - تعالى - آلهة أخرى - كما يزعمون - ، إذا لابتغوا - أى الآلهة المزعومة - إلى ذى العرش سبيلا وطريقا ليقتربوا إليه ، ويعترفوا بفضله ، ويخلصوا له العبادة ، كما قال - تعالى - : { أولئك الذين يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلى رَبِّهِمُ الوسيلة أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً } وقد اقتصر ابن كثير على هذا الوجه فى تفسيره للآية فقال : يقول - تعالى - : قل يا محمد لهؤلاء المشركين الزاعمين أن لله شريكا من خلقه ، لو كان الأمر كما تقولون ، من أن معه آلهة تعبد . . لكان أولئك المعبودون يعبدونه ويتقربون إليه يبتغون إليه الوسيلة والقربة .
ومع وجاهة الرأيين ، إلا أن الرأى الأول أظهر ، لأن فى الآية فرض المحال ، وهو وجود الآلهة مع الله - تعالى - ، وافتراض وجودها المحال لا يظهر منه أنها تتقرب إليه - سبحانه - ، بل الذى يظهر منه أنها تنازعه لو كانت موجودة ، ولأن هذا الرأى يناسبه - أيضا - قوله - تعالى - بعد ذلك : { سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً } .
أى : تنزه الله - تعالى - عما يقوله المشركون فى شأنه وتباعد ، وعلا علوا كبيرا ، فإنه - جل شأنه - لا ولد له ، فلا شريك له . . .
قال - تعالى - : { قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ الله الصمد لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } والتعبير بقوله - سبحانه - : { إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إلى ذِي العرش سَبِيلاً } يشير إلى الارتفاع والتسامى على تلك الآلهة المزعومة ، وأنها دون عرشه - تعالى - وتحته ، وليست معه . .
يقول تعالى : قل يا محمد لهؤلاء المشركين الزاعمين أن لله شريكا من خلقه ، العابدين معه غيره ليقربهم إليه زلفى : لو كان الأمر كما تقولون ، وأن معه آلهة تعبد لتقرب إليه وتشفع لديه - لكان أولئك المعبودون يعبدونه ويتقربون إليه ويبتغون إليه الوسيلة والقربة ، فاعبدوه أنتم وحده كما يعبده من تدعونه من دونه ، ولا حاجة لكم إلى معبود يكون واسطة بينكم وبينه ، فإنه لا يحب ذلك ولا يرضاه ، بل يكرهه ويأباه . وقد نهى عن ذلك على ألسنة جميع رسله وأنبيائه .
{ قل لو كان معه آلهة كما تقولون } أيها المشركون ، وقرأ ابن كثير وحفص عن عاصم بالياء فيه وفيما بعده على أن الكلام مع الرسول صلى الله عليه وسلم ، ووافقهما نافع وابن عامر وأبو عمرو وأبو بكر ويعقوب في الثانية على أن الأولى مما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ، أن يخاطب به المشركين ، والثانية مما نزه به نفسه عن مقالتهم . { إذاً لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا } جواب عن قولهم وجزاء للو والمعنى : لطلبوا إلى من هو مالك الملك سبيلا بالمعازة كما يفعل الملوك بعضهم مع بعض ، أو بالتقرب إليه والطاعة لعلمهم بقدرته وعجزهم كقوله تعالى : { أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة } .
عود إلى إبطال تعدد الآلهة زيادة في استئصال عقائد المشركين من عروقها ، فالجملة استئناف ابتدائي بعد جملة { ولا تجعل مع اللَّه إلها آخر فتلقى في جهنم ملوماً مدحوراً } [ الإسراء : 39 ] . والمخاطب بالأمر بالقول هو النبي لدمغهم بالحجة المقنعة بفساد قولهم . وللاهتمام بها افتتحت ب { قل } تخصيصاً لهذا بالتبليغ وإن كان جميع القرآن مأموراً بتبليغه .
وجملة { كما تقولون } معترضة للتنبيه على أن تعدد الآلهة لا تحقق له وإنما هو مجرد قول عار عن المطابقة لما في نفس الأمر .
وابتغاء السبيل : طلب طريق الوصول إلى الشيء ، أي توخيه والاجتهاد لإصابته ، وهو هنا مجاز في توخي وسيلة الشيء . وقد جاء في حديث موسى والخضر عليهما السلام أن موسى سأل السبيل إلى لُقيا الخضر .
و ( إذن ) دالة على الجواب والجزاء فهي مؤكدة لمعنى الجواب الذي تدل عليه اللام المقترنة بجواب ( لو ) الامتناعية الدالة على امتناع حصول جوابها لأجل امتناع وقوع شرطها ، وزائدة بأنها تفيد أن الجواب جزاء عن الكلام المجاب . فالمقصود الاستدلال على انتفاء إلهية الأصنام والملائكة الذين جعلوهم آلهة .
وهذا الاستدلال يحتمل معنيين مآلهما واحد :
والمعنى الأول : أن يكون المراد بالسبيل سبيل السعي إلى الغلبة والقهر ، أي لطلبوا مغالبة ذي العرش وهو الله تعالى . وهذا كقوله تعالى : { وما كان معه من إله إذاً لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض } [ المؤمنون : 91 ] . ووجه الملازمة التي بني عليها الدليل أن من شأن أهل السلطان في العرف والعادة أن يتطلبوا توسعة سلطانهم ويسعى بعضهم إلى بعض بالغزو ويتألّبُوا على السلطان الأعظم ليسلبوه ملكه أو بَعضه ، وقديماً ما ثارت الأمراء والسلاطين على ملك الملوك وسلبوه ملكه فلو كان مع الله آلهة لسلكوا عادة أمثالهم .
وتمام الدليل محذوف للإيجاز يدل عليه ما يستلزمه ابتغاءُ السبيل على هذا المعنى من التدافع والتغالب اللازمين عرفاً لحالة طلب سبيل النزول بالقرية أو الحَي لقصد الغزو . وذلك المفضي إلى اختلال العالم لاشتغال مدبريه بالمقاتلة والمدافعة على نحو ما يوجد في ميثلوجيا اليونان من تغالب الأرباب وكَيد بعضهم لبعض ، فيكون هذا في معنى قوله تعالى : { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } [ الأنبياء : 22 ] . وهو الدليل المسمى ببرهان التمانع في علم أصول الدين ، فالسبيل على هذا المعنى مجاز عن التمكن والظفر بالمطلوب . والابتغاء على هذا ابتغاء عن عداوة وكراهة .
وقوله : { كما تقولون } على هذا الوجه تنبيه على خطئهم ، وهو من استعمال الموصول في التنبيه على الخطأ .
والمعنى الثاني : أن يكون المراد بالسبيل سبيل الوصول إلى ذي العرش ، وهو الله تعالى ، وصول الخضوع والاستعطاف والتقرب ، أي لطلبوا ما يوصلهم إلى مرضاته كقوله : { يبتغون إلى ربهم الوسيلة }
ووجه الاستدلال أنكم جعلتموهم آلهة وقلتم ما نعبدهم إلا ليكونوا شفعاءنا عند الله ، فلو كانوا آلهة كما وصفتم إلهيتهم لكانوا لا غنى لهم عن الخضوع إلى الله ، وذلك كاف لكم بفساد قولكم ، إذ الإلهية تقتضي عدم الاحتياج فكان مآل قولكم إنهم عباد لله مكرمون عنده ، وهذا كاف في تفطنكم لفساد القول بإلهيتهم .
والابتغاء على هذا ابتغاء محبة ورغبة ، كقوله : { فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا } [ المزمّل : 19 ] . وقريب من معناه قوله تعالى : { وقالوا اتخذ الرحمان ولداً سبحانه بل عباد مكرمون } [ الأنبياء : 26 ] ، فالسبيل على هذا المعنى مجاز عن التوسل إليه والسعي إلى مرضاته .
وقوله : { كما تقولون } على هذا المعنى تقييد للكون في قوله : { لو كان معه آلهة أي لو كان معه آلهة حال كونهم كما تقولون ، أي كما تصفون إلهيتهم من قولكم : { هؤلاء شفعاؤنا عند الله } [ يونس : 18 ] .
واستحضار الذات العلية بوصف { ذي العرش } دون اسمه العَلم لما تتضمنه الإضافة إلى العرش من الشأن الجليل الذي هو مثار حسد الآلهة إياه وطمعهم في انتزاع ملكه على المعنى الأول ، أو الذي هو مطمع الآلهة الابتغاء من سعة ما عنده على المعنى الثاني .
وقرأ الجمهور { كما تقولون } بتاء الخطاب على الغالب في حكاية القول المأمور بتبليغه أن يحكى كما يقول المبلغ حين إبلاغه . وقرأه ابن كثير وحفص بياء الغيبة على الوجه الآخر في حكاية القول المأمور بإبلاغه للغير أن يحكى بالمعنى . لأن في حال خطاب الآمر المأمور بالتبليغ يكون المبلغ له غائباً وإنما يصير مخاطباً عند التبليغ فإذا لوحظ حاله هذا عبر عنه بطريق الغيبة كما قرىء قوله تعالى : { قل للذين كفروا ستغلبون } [ آل عمران : 12 ] بالتاء وبالياء أو على أن قوله : { كما يقولون } اعتراض بين شرط ( لو ) وجوابه .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{لو كان معه ءالهة كما يقولون}...
{إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا}، ليغلبوه ويقهروه، كفعل ملوك الأرض بعضهم ببعض، يلتمس بعضهم أن يقهر صاحبه ويعلوه...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين جعلوا مع الله إلها آخر: لو كان الأمر كما تقولون: من أن معه آلهة، وليس ذلك كما تقولون، إذن لابتغت تلك الآلهة القُربة من الله ذي العرش العظيم، والتمست الزّلْفة إليه، والمرتبة منه...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
قال عامة أهل التأويل: الآية في الأصنام والأوثان التي كانوا يعبدونها، أي لو كانت هي آلهة معه كما تقولون {إذا لابتغوا} التقرب والزلفى {إلى ذي العرش سبيلا}.
وقال بعضهم: لو كانت لهم عقول لابتغت، وأمكن لها من الطاعة والعبادة؛ إذا لابتغت {إلى ذي العرش سبيلا} بالطاعة له والعبادة، وهو ما قال في الملائكة: {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة} الآية (الإسراء: 57). لكن الأشبه أن يكون الله تعالى ألا يقول في الأصنام مثل هذا لو كان معه آلهة، إنما هي خشب. لكن قال فيها ما قال: لا تسمع، ولا تعقل، ولا تبصر، وما ذكر في آية أخرى: {لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا} (مريم: 42) وما قال: {إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا} الآية (الحج: 73) مثل هذا أن يقال في الأصنام... وأما ما ذكر: {قل لو كان معه آلهة كما يقولون} الآية فمعلوم أنها ليست من أهل الابتغاء إلا أن يقال ما ذكر بعضهم، أي لو كان الأصنام التي تعبدونها آلهة على ما تزعمون {إذا لابتغوا إلا ذي العرش سبيلا} ويتخذونهم معبودا... {قل لو كان معه آلهة كما يقولون} أي إذن لأظهروا دلالة ربوبيتهم وألوهيتهم بإنشاء الخلائق كما أظهر الله سبحانه ألوهيته بإنشاء الخلائق، ولم يظهر ممن يدعون لهم ألوهيتة إنشاء شيء من ذلك. فدل أنه ليس هنالك إله غيره...
وقال بعضهم: {قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا} أي صاروا كهو يعني الله، أي في الإنشاء والإفناء والتدبير، ومنعوه عن إنفاذ الأمر له في خلقه، والمشيئة له فيهم واتساق التدبير. فإن لم يكن ذلك منهم فإنه لا إله معه سواه، ويكون كقوله: {وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق} الآية (المؤمنون: 91).
وقال بعضهم: {قل لو كان معه آلهة كما} تزعمون {إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا} في القهر والغلبة على ما عرف من عادة ملوك الأرض أنه يسعى كل منهم في غلبة غيره وقهر آخر، ويناصبه العداء كقوله: {وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض} (المؤمنون: 91) أي غلب، وقهر، وناصب...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم "قل "يا محمد لهؤلاء المشركين "لو كان مع الله آلهة" أخرى كما يزعمون "لابتغوا" ما يقربهم إليه لعلوه عليهم وعظمته عندهم -في قول قتادة والزجاج- وقال الحسن والجبائي: لابتغوا سبيلا إلى مغالبته ومضادته، كما قال "لوكان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا"...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
بيَّن أنه لو كان الصانعُ أكثرَ من واحدٍ لَجَرَى بينهم تَضَادٌ وتمانُعٌ، وصحَّ عند ذلك في صفتهم العجزُ، وذلك من سِمات المحدثات...
جهود الإمام الغزالي في التفسير 505 هـ :
لو كان مع ذي العرش آلهة {لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا} ومعلوم أنهم لم يبتغوا، فيلزم نفي آلهة سوى ذي العرش. [القسطاس المستقيم ضمن المجموعة: رقم 3 ص: 27]...
الوجه الأول: أن المراد من قوله: {إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا} هو أنا لو فرضنا وجود آلهة مع الله تعالى لغلب بعضهم بعضا، وحاصله يرجع إلى دليل التمانع.
الوجه الثاني: أن الكفار كانوا يقولون ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى، فقال الله لو كانت هذه الأصنام كما تقولون من أنها تقربكم إلى الله زلفى لطلبت لأنفسها أيضا قربة إلى الله تعالى وسبيلا إليه ولطلبت لأنفسها المراتب العالية، والدرجات الشريفة من الأحوال الرفيعة، فلما لم تقدر أن تتخذ لأنفسها سبيلا إلى الله فكيف يعقل أن تقربكم إلى الله.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
كأنه قيل: فما يفعل بهم؟ فقال تعالى: {قل} لهم ولا تيأس من رجوع بعضهم: {لو كان معه} أي ربكم الذي تقدم وصفه بالإحسان والتنزيه {ءالهة كما يقولون} من هذه الأقوال التي لو قالها أعظمكم في حق أدناكم وهو يريد بها حقيقتها لصار ضحكة للعباد... {إذاً لابتغوا} أي طلبوا طلباً عظيماً {إلى ذي العرش} أي صاحب السرير الأعظم المحيط الذي من ناله كان منفرداً بالتدبير... وصرح بالعرش تصويراً لعظمته وتعييناً للمبتغي والمبتغى...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ولو -كما يقول النحاة- حرف امتناع لامتناع، فالقضية كلها ممتنعة، وليس هنالك آلهة مع الله -كما يقولون- والآلهة التي يدعونها إن هي إلا خلق من خلق الله سواء كانت نجما أو كوكبا، إنسانا أو حيوانا، نباتا أو جمادا. وهذه كلها تتجه إلى الخالق حسب ناموس الفطرة الكونية، وتخضع للإرادة التي تحكمها وتصرفها؛ وتجد طريقها إلى الله عن طريق خضوعها لناموسه وتلبيتها لإرادته... (إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا).. وذكر العرش هنا يوحي بالارتفاع والتسامي على هذه الخلائق التي يدعون أنها آلهة (مع) الله. وهي تحت عرشه وليست معه...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
المخاطب بالأمر بالقول هو النبي لدمغهم بالحجة المقنعة بفساد قولهم. وللاهتمام بها افتتحت ب {قل} تخصيصاً لهذا بالتبليغ وإن كان جميع القرآن مأموراً بتبليغه... وجملة {كما تقولون} معترضة للتنبيه على أن تعدد الآلهة لا تحقق له وإنما هو مجرد قول عار عن المطابقة لما في نفس الأمر... وابتغاء السبيل: طلب طريق الوصول إلى الشيء، أي توخيه والاجتهاد لإصابته، وهو هنا مجاز في توخي وسيلة الشيء. وقد جاء في حديث موسى والخضر عليهما السلام أن موسى سأل السبيل إلى لُقيا الخضر...
و (إذن) دالة على الجواب والجزاء فهي مؤكدة لمعنى الجواب الذي تدل عليه اللام المقترنة بجواب (لو) الامتناعية الدالة على امتناع حصول جوابها لأجل امتناع وقوع شرطها، وزائدة بأنها تفيد أن الجواب جزاء عن الكلام المجاب. فالمقصود الاستدلال على انتفاء إلهية الأصنام والملائكة الذين جعلوهم آلهة... والابتغاء على هذا ابتغاء محبة ورغبة... السبيل على هذا المعنى مجاز عن التوسل إليه والسعي إلى مرضاته... {كما يقولون} اعتراض بين شرط (لو) وجوابه...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
بالرغم مِن أنَّ جملة (إِذاً لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا) تفيد أنّهم لابدّ أن يجدوا طريقاً يؤدي بهم إلى صاحب العرش، وَلكن طبيعة الكلام توضح بأنَّ الهدف هو العثور على سبيل للانتصار عليه (على ذي العرش) خاصّة وأنَّ كلمة (ذي العرش) التي استخدمت بدلا مِن «الله» تُشير إلى هَذا الموضوع وَتؤكّده. إذ تعني أنّهم أرادوا أن يكونوا مالكي العرش وحكومة عالم الوجود، لذلك فإنّهم سيحاولون منازلة ذي العرش. وَمِن الطبيعي هُنا أنَّ كل صاحب قدرة يسعى لمدّ قدرته وتكميلها، لذا فإنَّ وجود عدّة آلهة يؤدي إلى التنازع والتمانع فيما بينهم حول الحكم والسلطة في عالم الوجود.