معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَرَبُّكَ ٱلۡغَفُورُ ذُو ٱلرَّحۡمَةِۖ لَوۡ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُواْ لَعَجَّلَ لَهُمُ ٱلۡعَذَابَۚ بَل لَّهُم مَّوۡعِدٞ لَّن يَجِدُواْ مِن دُونِهِۦ مَوۡئِلٗا} (58)

قوله تعالى : { وربك الغفور ذو الرحمة } ذو النعمة { لو يؤاخذهم } يعاقب الكفار { بما كسبوا } من الذنوب { لعجل لهم العذاب } في الدنيا { بل لهم موعد } يعني البعث والحساب { لن يجدوا من دونه موئلاً } ملجأً .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَرَبُّكَ ٱلۡغَفُورُ ذُو ٱلرَّحۡمَةِۖ لَوۡ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُواْ لَعَجَّلَ لَهُمُ ٱلۡعَذَابَۚ بَل لَّهُم مَّوۡعِدٞ لَّن يَجِدُواْ مِن دُونِهِۦ مَوۡئِلٗا} (58)

ثم أخبر تعالى عن سعة مغفرته ورحمته ، وأنه يغفر الذنوب ، ويتوب الله على من يتوب ، فيتغمده برحمته ، ويشمله بإحسانه ، وأنه لو آخذ{[493]} العباد على ما قدمت أيديهم من الذنوب ، لعجل لهم العذاب ، ولكنه تعالى حليم لا يعجل بالعقوبة ، بل يمهل ولا يهمل ، والذنوب لا بد من وقوع آثارها ، وإن تأخرت عنها مدة طويلة ، ولهذا قال :

{ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا } أي : لهم موعد ، يجازون فيه بأعمالهم ، لا بد لهم منه ، ولا مندوحة لهم عنه ، ولا ملجأ ، ولا محيد عنه ، وهذه سنته في الأولين والآخرين ، أن لا يعاجلهم بالعقاب ، بل يستدعيهم إلى التوبة والإنابة ، فإن تابوا وأنابوا ، غفر لهم ورحمهم ، وأزال عنهم العقاب ، وإلا ، فإن استمروا على ظلمهم وعنادهم ، وجاء الوقت الذي جعله موعدا لهم ، أنزل بهم بأسه ، ولهذا قال : { وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا }


[493]:- في الأصل وأخذ.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَرَبُّكَ ٱلۡغَفُورُ ذُو ٱلرَّحۡمَةِۖ لَوۡ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُواْ لَعَجَّلَ لَهُمُ ٱلۡعَذَابَۚ بَل لَّهُم مَّوۡعِدٞ لَّن يَجِدُواْ مِن دُونِهِۦ مَوۡئِلٗا} (58)

ثم ساق - سبحانه - بعد ذلك ما يدل على سعة رحمته ، وعظيم فضله فقال : { وَرَبُّكَ الغفور ذُو الرحمة لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُواْ لَعَجَّلَ لَهُمُ العذاب بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُواْ مِن دُونِهِ مَوْئِلاً } .

أى : وربك - أيها الرسول الكريم - هو صاحب المغفرة الكثيرة ، وصاحب الرحمة التى وسعت كل شئ . لو يؤاخذ الناس بما كسبوا من الذنوب والمعاصى ، لعجل لهم العذاب بسبب ما يرتكبونه من كفر وآثام . ولكنه - سبحانه - لم يعجل لهم العذاب رحمة منه وحلما .

وجملة { بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ . . } معطوفة على مقدر ، فكأنه - سبحانه - قال : لكنه - سبحانه - لم يؤاخذهم ، بل جعل وقتا معينا لعذابهم ، لن يجدوا من دون هذا العذاب موئلا .

أى ملجأ يلتجئون إليه ، أو مكانا يعتصمون به .

فالموئل : اسم مكان . يقال : وَأَلَ فلان إلى مكان كذا يَئِل وَأْلاً . . إذا لجأ إليه ليعتصم به من ضر متوقع .

فالآية الكريمة تبين أن الله - تعالى - بفضله وكرمه لا يعاجل الناس . بالعقاب ، ولكنه - عز وجل - ليس غافلا عن أعمالهم ، بل يؤخرهم إلى الوقت الذى تقتضيه حكمته ، لكى يعاقبهم على ما ارتكبوه من ذنوب وآثام .

وفى معنى هذه الآية وردت آيات كثيرة ، منها قوله - تعالى - : { وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله الناس بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ على ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ ولكن يُؤَخِّرُهُمْ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ الله كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً } وقوله - تعالى - : { وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ على ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ العقاب }

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَرَبُّكَ ٱلۡغَفُورُ ذُو ٱلرَّحۡمَةِۖ لَوۡ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُواْ لَعَجَّلَ لَهُمُ ٱلۡعَذَابَۚ بَل لَّهُم مَّوۡعِدٞ لَّن يَجِدُواْ مِن دُونِهِۦ مَوۡئِلٗا} (58)

وقوله : { وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ } أي : ربك{[18302]} - يا محمد - غفور ذو رحمة واسعة ، { لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ } ، كَمَا قَالَ : { وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ } [ فاطر : 45 ] ، وقال : { وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ } [ الرعد : 6 ] . والآيات في هذا كثيرة .

ثم أخبر أنه يحلم ويستر ويغفر ، وربما هدى بعضهم من الغي إلى الرشاد ، ومن استمر منهم فله يوم يشيب فيه الوليد ، وتضع كل ذات حمل حملها ؛ ولهذا قال : { بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلا } أي : ليس لهم عنه محيد ولا محيص ولا معدل .


[18302]:في ف، أ: "وربك".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَرَبُّكَ ٱلۡغَفُورُ ذُو ٱلرَّحۡمَةِۖ لَوۡ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُواْ لَعَجَّلَ لَهُمُ ٱلۡعَذَابَۚ بَل لَّهُم مَّوۡعِدٞ لَّن يَجِدُواْ مِن دُونِهِۦ مَوۡئِلٗا} (58)

{ وربك الغفور } البليغ المغفرة . { ذو الرّحمة } الموصوف بالرحمة . { لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجّل لهم العذاب } استشهاد على ذلك بإمهال قريش مع إفراطهم في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم . { بل لهم موعد } وهو يوم بدر أو يوم القيامة . { لن يجدوا من دونه موئلاً } منجاً ولا ملجأ ، يقال وأل إذا نجا ووأل إليه إذا لجأ إليه .