{ 15 - 16 ْ } { قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا * لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا ْ }
أي : قل لهم -مبينا لسفاهة رأيهم واختيارهم الضار على النافع- : { أَذَلِكَ } الذي وصفت لكم من العذاب { خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ } التي زادها تقوى الله فمن قام بالتقوى فالله قد وعده إياها ، { كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً } على تقواهم { وَمَصِيرًا } موئلا يرجعون إليها ، ويستقرون فيها ويخلدون دائما أبدا .
ثم أمر الله - تعالى - رسوله صلى الله عليه وسلم أن يبين لهم ما أعده - سبحانه - لعباده المتقين ، فقال : { قُلْ أذلك خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الخلد التي وُعِدَ المتقون كَانَتْ لَهُمْ جَزَآءً وَمَصِيراً لَّهُمْ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ خَالِدِينَ كَانَ على رَبِّكَ وَعْداً مَّسْئُولاً } .
واسم الإشارة . ذلك يعود إلى ما ذكر من العذاب المهين لهم والاستفهام للتقريع والتهكم .
والعائد إلى الموصول محذوف ، أى : وعدها الله - تعالى - للمتقين ، وإضافته الجنى إلى الخلد للمدح وزيادة السرور للذين وعدهم الله - تعالى - بها .
أى : قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء الكافرين ، أذلك العذاب المهين الذى أعد لكم خير ، أم جنة الخلد التى وعدها الله - تعالى - للمتقين ، والتى { كَانَتْ لَهُمْ } بفضل الله وكرمه { جَزَآءً } على أعمالهم الصالحة { وَمَصِيراً } طيبا يصيرون إليه .
يقول تعالى : يا محمد ، هذا{[21426]} الذي وصفناه من حال أولئك الأشقياء{[21427]} ، الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم ، فتتلقاهم بوجه عبوس وبغيظ{[21428]} وزفير ، ويُلقَون في أماكنها الضيقة مقرَّنين ، لا يستطيعون حراكا ، ولا انتصاراً ولا فكاكا مما هم فيه - : أهذا خير أم جنة الخلد التي وعدها الله المتقين من عباده ، التي أعدها لهم ، وجعلها لهم جزاء على ما أطاعوه في الدنيا ، وجعل مآلهم إليها .
القول في تأويل قوله تعالى : { قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنّةُ الْخُلْدِ الّتِي وَعِدَ الْمُتّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَآءً وَمَصِيراً * لّهُمْ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَىَ رَبّكَ وَعْداً مّسْئُولاً } .
يقول تعالى ذكره : قل يا محمد لهؤلاء المكذّبين بالساعة : أهذه النار التي وصف لكم ربّكم صفتها وصفة أهلها خير ، أم بستان الخلد الذي يدوم نعيمه ولا يبيد ، الذي وَعَد من اتقاه في الدنيا بطاعته فيما أمره ونهاه ؟ وقوله : كانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرا يقول : كانت جنة الخلد للمتقين جزاء أعمالهم لله في الدنيا بطاعته وثواب تقواهم إياه ومصيرا لهم ، يقول : ومصيرا للمتقين يصيرون إليها في الاَخرة . وقوله : لَهُمْ فِيها ما يَشاءُونَ يقول : لهؤلاء المتقين في جنة الخلد التي وَعَدَهموها الله ، ما يشاءون مما تشتهيه الأنفس وتلذّ الأعين . خالدِينَ فيها ، يقول : لابثين فيها ماكثين أبدا ، لا يزولون عنها ولا يزول عنهم نعيمها . وقوله : كانَ عَلى رَبّكَ وَعْدا مَسْئُولاً وذلك أن المؤمنين سألوا ربهم ذلك في الدنيا حين قالوا : آتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ يقول الله تبارك وتعالى : كان إعطاء الله المؤمنين جنة الخلد التي وصف صفتها في الاَخرة ، وعْدا وعدهُمُ الله على طاعتهم إياه في الدنيا ومسئلتهم إياه ذلك .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن عطاء الخراسانيّ ، عن ابن عباس : كانَ عَلى رَبّكَ وَعْدا مَسْئُولاً قال : فسألوا الذي وعدَهُم وتنجزوه .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : كانَ عَلى رَبّكَ وَعْدا مَسْئُولاً قال : سألوه إياه في الدنيا ، طلبوا ذلك فأعطاهم وعدهم ، إذ سألوه أن يعطيهم فأعطاهم ، فكان ذلك وعدا مسئولاً ، كما وقّت أرزاق العباد في الأرض قبل أن يخلقهم فجعلها أقواتا للسائلين ، وقّت ذلك على مسئلتهم . وقرأ : وَقَدّرَ فِيها أقْوَاتَها فِي أرْبَعَةِ أيّامٍ سَوَاءً للسّائِلِينَ .
وقد كان بعض أهل العربية يوجه معنى قوله : وَعْدا مَسْئُولاً إلى أنه معنيّ به وعدا واجبا ، وذلك أن المسئول واجب ، وإن لم يُسْأل كالدين ، ويقول : ذلك نظير قول العرب : لأعطينك ألفا وعدا مسئولاً ، بمعنى واجب لك فتسأله .
{ قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون } الإشارة إلى العذاب والاستفهام والتفضيل والترديد للتقريع مع التهكم أو إلى ال{ كنز } أو ال { جنة } ، والراجع إلى الموصول محذوف وإضافة ال{ جنة } إلى { الخلد } للمدح أو لدلالة على خلودها ، أو التمييز على جنات الدنيا . { كانت لهم } في علم الله أو اللوح ، أو لأن ما وعده الله تعالى في تحققه كالواقع . { جزاء } على أعمالهم بالوعد . { ومصيرا } ينقلبون إليه ، ولا يمنع كونها جزاء لهم أن يتفضل بها على غيرهم برضاهم مع جواز أن يراد بالمتقين من يتقي الكفر والتكذيب لأنهم في مقابلتهم .
الأمر بالقول يقتضي مخاطباً مقولاً له ذلك : فيجوز أن يقصد : قل لهم ، أي للمشركين الذين يسمعون الوعيد والتهديد السابق : « أذلك خير أم الجنة » ؟ فالجمل متصلة السياق ، والاستفهام حينئذٍ للتهكم إذ لا شبهة في كون الجنة الموصوفة خيراً . ويجوز أن يقصد : قل للمؤمنين ، فالجملة معترضة بين آيات الوعيد لمناسبة إبداء البون بين حال المشركين وحال المؤمنين ، والاستفهام حينئذٍ مستعمل في التلميح والتلطف . وهذا كقوله : { أذلك خيرٌ نُزُلاً أم شجرةُ الزقوم } في سورة الصافات ( 62 ) .
والإشارة إلى المكان الضيق في جهنم .
و { خير } اسم تفضيل ، وأصله ( أخير ) بوزن اسم التفضيل فحذفت الهمزة لكثرة الاستعمال . والتفضيل على المحمل الأول في موقع الآية مستعمل للتهكم بالمشركين . وعلى المحمل الثاني مستعمل للتلميح في خطاب المؤمنين وإظهار المنة عليهم .
ووصف الموعودين بأنهم متقون على المحمل الأول جار على مقتضى الظاهر ، وعلى المحمل الثاني جار على خلاف مقتضى الظاهر لأن مقتضى الظاهر أن يؤتى بضمير الخطاب ، فوجه العدول إلى الإظهار ما يفيده { المتقون } من العموم للمخاطبين ومن يجيء بعدهم .
وجملة : { كانت لهم جزاء ومصيراً } تذييل لجملة : { جنة الخلد التي وعد المتقون } لما فيها من التنويه بشأن الجنة بتنكير { جزاء ومصيراً } مع الإيماء إلى أنهم وعدوا بها وعد مجازاة على نحو قوله تعالى : { نعم الثواب وحسنت مرتفقاً } [ الكهف : 31 ] وقوله : { بئس الشراب وساءت مرتفقاً } في سورة الكهف ( 31 29 ) .