البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قُلۡ أَذَٰلِكَ خَيۡرٌ أَمۡ جَنَّةُ ٱلۡخُلۡدِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلۡمُتَّقُونَۚ كَانَتۡ لَهُمۡ جَزَآءٗ وَمَصِيرٗا} (15)

{ قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا } والظاهر أن الإشارة بذلك إلى النار وأحوال أهلها .

وقيل إلى الجنة والكنز في قولهم .

وقيل إلى الجنة والقصور المجعولة في الدنيا على تقدير المشيئة و { خير } هنا ليست تدل على الأفضلية بل هي على ما جرت عادة العرب في بيان فضل الشيء وخصوصيته بالفضل دون مقابله كقوله :

فشركما لخيركما الفداء . . .

وكقول العرب : الشقاء أحب إليك أم السعادة .

وكقوله { السجن أحب إليّ مما يدعونني إليه } وهذا الاستفهام على سبيل التوقيف والتوبيخ .

قال ابن عطية : ومن حيث كان الكلام استفهاماً جاز فيه مجيء لفظه للتفضيل بين الجنة والنار في الخير لأن الموقف جائز له أن يوقف محاوره على ما شاء ليرى هل يجيبه بالصواب أو بالخطأ ، وإنما منع سيبويه وغيره من التفضيل إذا كان الكلام خبراً لأن فيه مخالفة ، وأما إذا كان استفهاماً فذلك سائغ انتهى .

وما ذكره يخالفه قوله :

فشركما لخيركما الفداء . . .

وقوله { السجن أحب إليّ } فإن هذا خبر .

وكذلك قولهم : العسل أحلى من الخل إلاّ إن تقيد الخبر بأنه إذا كان واضحاً الحكم فيه للسامع بحيث لا يختلج في ذهنه ولا يتردد أيهما أفضل فإنه يجوز .

وضمير { التي } محذوف أي وعدها وضمير { ما يشاؤون } كذلك أي ما يشاؤونه