اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قُلۡ أَذَٰلِكَ خَيۡرٌ أَمۡ جَنَّةُ ٱلۡخُلۡدِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلۡمُتَّقُونَۚ كَانَتۡ لَهُمۡ جَزَآءٗ وَمَصِيرٗا} (15)

قوله تعالى : { أذلك خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الخلد } الآية . لما وصف العقاب المعد للمكذبين بالساعة أتبعه بما يؤكد الحسرة والندامة فقال : «أَذَلِكَ خَيْرٌ » .

فإن قيل : كيف يقال : العذاب خير أم جنة الخلد ؟ وهل يجوز أن يقول العاقل : السكر أحلى أم الصبر ؟ فالجواب : هذا يحسن في معرض التقريع كما إذا أعطى السيد عبده مالاً فتمرد وأبى واستكبر فضربه ويقول له : أهذا{[35497]} خير أم ذلك{[35498]} ؟

فصل

قال أبو مسلم : جنة الخلد : هي التي لا ينقطع نعيمها ، والخلد والخلود سواء{[35499]} كالشكر والشكور ، قال تعالى : { لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُوراً } [ الإنسان : 9 ] . فإن قيل : الجنة اسم لدار مخلدة ، فأي فائدة في قوله : «جَنَّةُ الخُلْدِ » ؟ فالجواب : الإضافة قد تكون للتبيين ، وقد تكون لبيان صفات الكمال ، كقوله تعالى : «الخَالِقُ البَارِئ »{[35500]} وهذا من هذا الباب{[35501]} .

فصل

احتج المعتزلة بهذه الآية على إثبات الاستحقاق من وجهين :

الأول : اسم الجزاء لا يتناول إلا المستحق ، فأما الموعود بمحض التفضيل فلا يسمى جزاء .

والثاني : لو كان المراد بالجزاء ما صرتُم إليه بمجرد الوعد فلا يبقى بين قوله : «جَزَاءً » وبين قوله : «مَصِيراً » تفاوت ، فيصير ذلك تكريراً من غير فائدة .

والجواب : أنه لا نزاع في كونه جزاء إنما النزاع في أن كونه جزاء ثبت بالوعد أو بالاستحقاق ، وليس في الآية ما يدل على التعيين{[35502]} .

فإن قيل : إن الجنة ستصير للمتقين جزاء ومصيراً لكنها بعد ما صارت كذلك ، فلم قال الله { كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيراً } ؟

فالجواب من وجهين :

الأول : أن ما وعده فهو في تحققه كأنه قد كان ؛ ولأنه قد كان مكتوباً في اللوح المحفوظ قبل أن يخلقهم الله بأزمنة متطاولة أن الجنة جزاؤهم ( ومصيراً ){[35503]} {[35504]} .


[35497]:في الأصل: هذا.
[35498]:انظر الفخر الرازي 24/57.
[35499]:في اللسان (خلد): خلد يخلد خلدا وخلودا: بقي ودام.
[35500]:من قوله تعالى: {هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى} [الحشر: 24].
[35501]:انظر الفخر الرازي 24/57 – 58.
[35502]:انظر الفخر الرازي 24/58.
[35503]:انظر الفخر الرازي 24/58 – 59.
[35504]:ما بين القوسين سقط من الأصل.