نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{قُلۡ أَذَٰلِكَ خَيۡرٌ أَمۡ جَنَّةُ ٱلۡخُلۡدِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلۡمُتَّقُونَۚ كَانَتۡ لَهُمۡ جَزَآءٗ وَمَصِيرٗا} (15)

ولما كانت عادتهم تجويز الممكن من كل ما يحذرون منه من الخلق ، اقتضى الحال سؤالهم : هل أعدوا لما هددوا به من الخالق عدة أم لا ؟ في سياق الاستفهام عن المفاضلة بينه وبين ما وعده المتقون ، تنبيهاً على أنه أعلى رتبة من الممكن فإنه واقع لا محالة ، وتهكماً بهم ، فقال تعالى : { قل أذلك } أي الأمر العظيم الهول الذي أوعدتموه من السعير الموصوفة .

ولما كانت عادة العرب في بيان فضل الشيء دون غيره الإتيان بصيغة أفعل تنبيهاً على أن سلب الخير عن مقابله لا يخفى على أحد ، أو يكون ذلك على طريق التنزل و إرخاء العنان ، تنبيهاً للعاقل على أنه يكفيه في الرجوع عن الغي طروق احتمال لكون ما هو عليه مفضولاً قال : { خير أم جنة الخلد } أي الإقامة الدائمة { التي وعد المتقون } أي وقع الوعد الصادق المحتم بها ، ممن وعده هو الوعد ، للذين خافوا فصدقوا بالساعة جاعلين بينهم وبين أهوالها وقاية مما أمرتهم به الرسل ؛ ثم حقق تعالى أمرها تأكيداً للبشارة بقوله : { كانت } أي تكونت ووجدت بإيجاده سبحانه { لهم جزاء } على تصديقهم وأعمالهم { ومصيراً* } أي مستقراً ومنتهى ، وذلك مدح لجزائهم لأنه إذا كان في محل واسع طيب كان أهنأ له وألذ كما أن العقاب إذا كان في موضع ضيق شنيع كان أنكى وأوجع ، وهو استفهام تقريع وتوبيخ لمن كان يعقل فيجوز الممكنات .