معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ ءَامَنتُم بِهِۦٓۚ ءَآلۡـَٰٔنَ وَقَدۡ كُنتُم بِهِۦ تَسۡتَعۡجِلُونَ} (51)

قوله تعالى : { أثم إذا ما وقع } ، قيل : معناه أهنالك ؟ وحينئذ ، وليس بحرف عطف ، { إذا ما وقع } نزل العذاب ، { آمنتم به } ، أي بالله في وقت اليأس . وقيل : آمنتم به أي صدقتم بالعذاب وقت نزوله ، { آلآن } ، فيه إضمار ، أي : يقال لكم : آلآن تؤمنون حين وقع العذاب ؟ { وقد كنتم به تستعجلون } ، تكذيباً واستهزاء .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ ءَامَنتُم بِهِۦٓۚ ءَآلۡـَٰٔنَ وَقَدۡ كُنتُم بِهِۦ تَسۡتَعۡجِلُونَ} (51)

{ أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ ْ } فإنه لا ينفع الإيمان حين حلول عذاب الله ، ويقال لهم توبيخًا وعتابًا في تلك الحال التي زعموا أنهم يؤمنون ، { الْآنَ ْ } تؤمنون في حال الشدة والمشقة ؟ { وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ ْ } فإن سنة الله في عباده أنه يعتبهم إذا استعتبوه قبل وقوع العذاب ، فإذا وقع العذاب لا ينفع نفسًا إيمانها ، كما قال تعالى عن فرعون ، لما أدركه الغرق { قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ْ } وأنه يقال له : { الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين ْ } .

وقال تعالى : { فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ ْ } وقال هنا : { أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ ، آلْآنَ ْ } تدعون الإيمان{[401]} { وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ ْ } فهذا ما عملت أيديكم ، وهذا ما استعجلتم به .


[401]:- كذا في ب، وفي أ: للإيمان.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ ءَامَنتُم بِهِۦٓۚ ءَآلۡـَٰٔنَ وَقَدۡ كُنتُم بِهِۦ تَسۡتَعۡجِلُونَ} (51)

وقوله - سبحانه - { أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ . . . } زيادة في تجهيلهم وتأنيبهم والهمزة داخلة على محذوف ، و { ثم } حرف عطف يدل على الترتيب والتراخي وجيء به هنا للدلالة على زيادة الاستبعاد .

والمعنى : إنكم أيها الجاهلون لستم بصادقين فيما تطلبون ، لأنكم قبل وقوع العذاب تتعجلون وقوعه ، فإذا ما وقع وشاهدتم أهواله . وذقتم مرارته . . آمنتم بأنه حق ، وتحول استهزاؤكم به إلى تصديق وإذعان وتحسر .

وقوله : { الآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ } قصد به زيادة إيلامهم وحسرتهم ولفظ { الآنَ } ظرف زمان يدل على الحال الحاضرة ، وهو في محل نصب على أنه ظرف لفعل مقدر .

أى : قيل لهم عند إيمانهم بعد وقوع العذاب : الآن آمنتم بأنه حق ؟ مع أنكم قبل ذلك كنتم به تستهزئون ، وتقوولن للرسول - صلى الله عليه وسلم - ولأتباعه :

{ متى هَذَا الوعد إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } ألا فلتعلموا : أن إيمانكم في هذا الوقت غير مقبول ، لأنه جاء في غير أوانه ، وصدق الله إذ يقول : { فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قالوا آمَنَّا بالله وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ . فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا سُنَّتَ الله التي قَدْ خَلَتْ في عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الكافرون }

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ ءَامَنتُم بِهِۦٓۚ ءَآلۡـَٰٔنَ وَقَدۡ كُنتُم بِهِۦ تَسۡتَعۡجِلُونَ} (51)

ثم أخبرهم أن عذاب الله سيأتيهم بغتة ، فقال : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا } أي : ليلا أو نهارا ، { مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِه } يعني : أنهم إذا جاءهم العذاب قالوا : { رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ } [ السجدة : 12 ] ، وقال تعالى : { فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ } [ غافر : 84 ، 85 ] .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ ءَامَنتُم بِهِۦٓۚ ءَآلۡـَٰٔنَ وَقَدۡ كُنتُم بِهِۦ تَسۡتَعۡجِلُونَ} (51)

القول في تأويل قوله تعالى : { أَثُمّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ الاَنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ } .

يقول تعالى ذكره : أهنالك إذا وقع عذاب الله بكم أيها المشركون آمنتم به ، يقول : صدّقتم به في حال لا ينفعكم فيها التصديق ، وقيل لكم حينئذ : آلاَن تصدّقون به ، وقد كنتم قبل الاَن به تستعجلون ، وأنتم بنزوله مكذّبون فذوقوا الاَن ما كنتم به تكذّبون . ومعنى قوله : أثُمّ في هذا الموضع : أهنالك وليست «ثم » هذه هاهنا التي تأتي بمعنى العطف .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ ءَامَنتُم بِهِۦٓۚ ءَآلۡـَٰٔنَ وَقَدۡ كُنتُم بِهِۦ تَسۡتَعۡجِلُونَ} (51)

{ أثُمّ إذا ما وقع آمنتم به } بمعنى إن أتاكم عذابه آمنتم به بعد وقوعه حين لا ينفعكم الإيمان ، وماذا يستعجل اعتراض ودخول حرف الاستفهام على " ثم " لإنكار التأخير . { الآن } على إرادة القول أي قيل لهم إذا آمنوا بعد وقوع العذاب الآن آمنتم به . وعن نافع { آلان } بحذف الهمزة وإلقاء حركتها على اللام . { وقد كنتم به تستعجلون } تكذيبا واستهزاء .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ ءَامَنتُم بِهِۦٓۚ ءَآلۡـَٰٔنَ وَقَدۡ كُنتُم بِهِۦ تَسۡتَعۡجِلُونَ} (51)

وقوله { أثم إذا ما وقع } الآية ، عطف بقوله { ثم } جملة القول على ما تقدم ثم أدخل على الجميع ألف التقرير ، ومعنى الآية : إذا وقع العذاب وعاينتموه آمنتم به حينئذ ، وذلك غير نافعكم بل جوابكم الآن وقد كنتم تستعجلونه مكذبين به ، وقرأ طلحة بن مصرف «أثَم » بفتح الثاء ، وقال الطبري في قوله «ثُم » بضم الثاء ، معناه هنالك وقال : ليست «ثُم » هذه التي تأتي بمعنى العطف .

قال القاضي أبو محمد : والمعنى صحيح على أنها «ثم » المعروفة ولكن إطباقه على لفظ التنزيل هو كما قلنا ، وما ادعاه الطبري غير معروف و { الآن } أصله عند بعض النحاة آن فعل ماض دخلت عليه الألف واللام على حدها في قوله :

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الحمار اليجدع {[6134]}

ولم يتعرف بذلك كل التعريف ولكنها لفظة مضمنة معنى حرف التعريف ولذلك بنيت على الفتح لتضمنها معنى الحرف ولوقوعها موقع المبهم لأن معناها هذا الوقت ، وقرأ الأعمش وأبو عمرو وعاصم والجمهور { الآن } بالمد والاستفهام على حد التوبيخ ، وكذلك { الآن وقد عصيت }{[6135]} وقرأها باستفهام بغير مد طلحة والأعرج .


[6134]:- وهذا أيضا جزء من بيت قاله ذو الخرق الطهوي، وقد ذكره صاحب اللسان مع بيت سابق عليه للاستشهاد على معنى (مُجدّع)، قال: "الجدع: القطع، وقيل: هو القطع البائن...يقال: جَدَعه يجدعه جدعا فهو جادع، وحمار مُجدّع: مقطوع الأذن، قال: أتاني كلام التغلبيّ بن ديسق ففي أي هذا ويله يتترّعُ؟ يقول الخنى، وأبغض العُجْم ناطقا إلى ربه صوت الحمار اليُجدّع أراد: الذي يُجدّع فأدخل اللام على الفعل المضارع لمضارعة اللام الذي، كما تقول: هو اليضربك، وهو من أبيات الكتاب". يريد: كتاب سيبويه، واليُجدّع: فعل مضارع مبني للمجهول، وقد قال أبو بكر بن السّرّاج: لما احتاج إلى رفع القافية قلب الاسم فعلا، وهو من أقبح ضرورات الشعر، وأنكر ابن برّي أن يكون هذا البيت من أبيات الكتاب كما ذكر الجوهري وقال: وإنما هو في نوادر أبي زيد.
[6135]:- من الآية (91) من هذه السورة (يونس).
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ ءَامَنتُم بِهِۦٓۚ ءَآلۡـَٰٔنَ وَقَدۡ كُنتُم بِهِۦ تَسۡتَعۡجِلُونَ} (51)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{أثم إذا ما وقع} يعني قول القرآن،

{ءامنتم به ألآن} حين لم تنفعكم،

{وقد كنتم به} يعني بالعذاب، {تستعجلون}.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: أهنالك إذا وقع عذاب الله بكم أيها المشركون "آمنتم به"، يقول: صدّقتم به في حال لا ينفعكم فيها التصديق، وقيل لكم حينئذ: "آلاَن "تصدّقون به، "وقد كنتم" قبل الآن "به تستعجلون"، وأنتم بنزوله مكذّبون فذوقوا الآن ما كنتم به تكذّبون.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

قوله تعالى: (أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلآنَ) قيل: أي العذاب إذا نزل بكم آمنتم به الآن. يخبر عنهم أنهم إذا نزل بهم العذاب يؤمنون.

ثم يحتمل قوله: (آمنتم به) أي بالله وبرسوله كقوله: (فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين) [غافر: 84] ثم أخبر أن إيمانهم لا ينفعهم عند معاينتهم العذاب، وهو كقوله: (فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا) [غافر: 85] وقوله: (لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل) [الأنعام: 158].

ويحتمل قوله: (آمَنْتُمْ بِهِ آلآنَ) أي بالعذاب لأنهم يكذبون رسول الله في ما يدعوهم بالعذاب، وهم يستعجلون به استهزاء وتكذيبا، فإذا نزل بهم آمنوا، أي صدقوا بذلك العذاب؛ يقول: (آمَنْتُمْ بِهِ آلآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) استهزاء وتكذيبا أنه غير نازل بكم ذلك، والله أعلم.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

أما قوله: {أثم إذا ما وقع آمنتم به} فاعلم أن دخول حرف الاستفهام على ثم كدخوله على الواو والفاء في قوله: {أو أمن أهل القرى -أفأمن} وهو يفيد التقريع والتوبيخ، ثم أخبر تعالى أن ذلك الإيمان غير واقع لهم بل يعيرون ويوبخون، يقال: آلآن تؤمنون وترجون الانتفاع بالإيمان مع أنكم كنتم قبل ذلك به تستعجلون على سبيل السخرية والاستهزاء.

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

...أيستعجل بالعذاب مجرموكم الذين هم أحق بالخوف منه بدلا من الإيمان الذي يدفعه عنهم وعنكم، ثم إذا وقع بالفعل آمنتم به إذ لا ينفع الإيمان، لأنه صار ضروريا بالمشاهدة والعيان لا تصديقا للرسول عليه السلام، وقيل لكم حينئذ من قبل الله تعالى تقريعا وتوبيخا {ءآلآنَ} آمنتم به اضطرارا {وقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} تكذيبا به واستكبارا؟...

والاستعجال يتضمن المالغة في التكذيب المقابل للإيمان، وسيأتي في هذه السورة إيمان فرعون عند إدراك الغرق إياه وأنه يقال له: {آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين} [يونس:91].

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

عطفت جملة: {أثم إذا ما وقع} بحرف المهلة للدلالة على التراخي الرتبي كما هو شأن (ثم) في عطفها الجمل، لأن إيمانهم بالعذاب الذي كانوا ينكرون وقوعه حين وقوعه بهم أغرب وأهم من استعجالهم به... والتقدير: ثم أإذا ما وقع، وليس المراد الاستفهام عن المهلة.

والمستفهم عنه هو حصول الإيمان في وقت وقوع العذاب، وهذا الاستفهام مستعمل في الإنكار بمعنى التغليط وإفساد رأيهم، فإنهم وعدوا بالإيمان عند نزول العذاب استهزاء منهم فوقع الجواب بمجاراة ظاهر حالهم وبيان أخطائهم، أي أتؤمنون بالوعد عند وقوعه على طريقة الأسلوب الحكيم، كقوله تعالى: {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج} [البقرة: 189.]

وكلمة {آلآن} استفهام إنكاري عن حصول إيمانهم عند حلول ما توعدهم، فعبر عن وقت وقوعه باسم الزمان الحاضر وهو (الآن) حكاية للسانِ حالِ منكر عليهم في ذلك الوقت استحضر حال حلول الوعد كأنه حاضر في زمن التكلم، وهذا الاستحضار من تخييل الحالة المستقبلة واقعة...

وجملة: {وقد كنتم به تستعجلون} ترشيح، وإما تقدير قول في الكلام، أي يقال لهم إذا آمنوا بعد نزول العذاب آلآن آمنتم، كما ذهب إليه أكثر المفسرين. فذلك تقدير معنى لا تقدير نظم وإعراب لأن نظم هذا الكلام أدق من ذلك.

ومعنى: {تستعجلون} تكذبون، فعبر عن التكذيب بالاستعجال حكايةً لحاصل قولهم {متى هذا الوعد} [يونس: 48] الذي هو في صورة الاستعجال، والمرادُ منه التكذيب.

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

فالاستفهام إنكاري توبيخي، والتوبيخ من نواح ثلاث: أولاها- من ناحية إنكارهم البعث. ثانيتهما- من ناحية تهكمهم على من ينذرهم. ثالثتها – أنهم لا يؤمنون إلا في الوقت الذي لا ينفع النفس إيمانها.