قوله تعالى : { قل انظروا } ، أي : قل للمشركين الذين يسألونك الآيات انظروا ، { ماذا في السماوات والأرض } ، من الآيات والدلائل والعبر ، في السماوات الشمس والقمر والنجوم وغيرها ، وفي الأرض الجبال والبحار والأنهار والأشجار وغيرها ، { وما تغني الآيات والنذر } ، الرسل ، { عن قوم لا يؤمنون } ، وهذا في قوم علم الله أنهم لا يؤمنون .
{ 101 - 103 } { قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ * فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ * ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ }
يدعو تعالى عباده إلى النظر لما في السماوات والأرض ، والمراد بذلك : نظر الفكر والاعتبار والتأمل ، لما فيها ، وما تحتوي عليه ، والاستبصار ، فإن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ، وعبرًا لقوم يوقنون ، تدل على أن الله وحده ، المعبود المحمود ، ذو الجلال والإكرام ، والأسماء والصفات العظام .
{ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ ْ } فإنهم لا ينتفعون بالآيات لإعراضهم وعنادهم .
ولما كان التأمل في ملكوت السموات والأرض ، يعين على التفكير السليم ، وعلى استعمال العقل فيما يهدى إلى الحق والخير ، أمر الله - تعالى - الناس بالنظر والاعتبار فقال - سبحانه - : { قُلِ انظروا مَاذَا فِي السماوات والأرض . . }
أى : قل - أيها الرسول الكريم - لقومك : انظروا وتأملوا وتفكروا فيما اشتملت عليه السموات من شموس وأقمار ، وكواكب ونجوم ، وسحاب وأمطار . .
وفيما اشتملت عليه الأرض من زروع وأنهار ، ومن جبال وأشجار ، ومن حيوانات ودواب متنوعة .
انظروا إلى كل ذلك وتفكروا ، فإن هذا التفكر يهدى أصحاب العقول السليمة إلى أن هذا الكون إلها واحدا عليما قديرا ، هو وحده المستحق للعبادة والطاعة .
وقوله : { وَمَا تُغْنِي الآيات والنذر عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ } توبيخ للغافلين عن النظر السليم الذي يؤدى إلى الهداية .
و { ما } نافية ، والمراد بالآيات : ما أشار إليه - سبحانه - قبل ذلك بقوله : { مَاذَا فِي السماوات والأرض } والنذر : جمع نذير ، وهو من يخبر غيره بأمر مخوف حتى يحذره .
والمعنى : انظرو وتفكروا واعتبروا بما في السموات والأرض من آيات بينات دالة على وحدانية الخالق وقدرته .
ومع ذلك فإن الآيات مهما اتضحت ، والنذر مهما تعددت ، لا تجدى شيئا ، بالنسبة لمن تركوا الإِيمان ، وأصروا على الجحود والعناد .
ويجوز أن تكون { ما } للاستفهام الإِنكارى ، فيكون المعنى وأى شيء تجدى الآيات السماوية والأرضية ، والنذر بحججها وبراهينها ، أمام قوم جاحدين معاندين ، قد استحبوا الكفر على الإِيمان ؟
يرشدُ تعالى عباده إلى التفكر في آلائه{[14438]} وما خلق في السموات والأرض من الآيات الباهرة لذوي الألباب ، مما في السموات{[14439]} من كواكب نيرات ، ثوابت وسيارات ، والشمس والقمر ، والليل والنهار ، واختلافهما ، وإيلاج أحدهما في الآخر ، حتى يطول هذا ويقصر هذا ، ثم يقصر هذا ويطول هذا ، وارتفاع السماء واتساعها ، وحسنها وزينتها ، وما أنزل الله منها من مطر فأحيا به الأرض بعد موتها ، وأخرج فيها من أفانين الثمار والزروع والأزاهير ، وصنوف النبات ، وما ذرأ فيها من دوابّ مختلفة الأشكال والألوان والمنافع ، وما فيها من جبال وسهول{[14440]} وقفار وعمران وخراب . وما في البحر من العجائب والأمواج ، وهو مع هذا [ مسخر ]{[14441]} مذلل للسالكين ، يحمل سفنهم ، ويجري بها برفق بتسخير القدير له ، لا إله إلا هو ، ولا رب سواه .
وقوله : { وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ } أي : وأي شيء تُجدي الآيات السماوية والأرضية ، والرسل بآياتها وحججها وبراهينها الدالة على صدقها ، عن قوم لا يؤمنون ، كما قال : { إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ } [ يونس : 96 ، 69 ] .
القول في تأويل قوله تعالى : { قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا تُغْنِي الاَيَاتُ وَالنّذُرُ عَن قَوْمٍ لاّ يُؤْمِنُونَ } .
يقول تعالى ذكره : قُلْ يا محمد لهؤلاء المشركين من قومك ، السائليك الاَيات على صحة ما تدعوهم إليه من توحيد الله وخلع الأنداد والأوثان : انْظُرُوا أيها القوم ماذَا في السّمَوَاتِ من الاَيات الدالة على حقيقة ما أدعوكم إليه من توحيد الله من شمسها وقمرها ، واختلاف ليلها ونهارها ، ونزول الغيث بأرزاق العباد من سحابها ، و في الأرْضِ من جبالها وتصدّعها بنباتها ، وأقوات أهلها ، وسائر صنوف عجائبها فإن في ذلك لكم إن عقلتم وتدبرتم موعظة ومعتبرا ، ودلالة على أن ذلك من فعل من لا يجوز أن يكون له في ملكه شريك ولا له على تدبيره وحفظه ظهير يغنيكم عما سواه من الاَيات . يقول الله جلّ ثناؤه : وَما تُغْنِي الاَياتُ والنّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ يقول جلّ ثناؤه : وما تغنى الحجج والعبر والرسل المنذرة عباد الله عقابه عن قوم قد سبق لهم من الله الشقاء وقضى لهم في أمّ الكتاب أنهم من أهل النار لا يؤمنون بشيء من ذلك ولا يصدّقون به . وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلّ آيَةٍ حتى يَرَوُا العَذَابَ الألِيمِ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.