قوله تعالى : { قُلِ انظروا مَاذَا فِي السماوات والأرض } الآية .
لمَّا بيَّن في الآيات السَّالفة أنَّ الإيمان لا يحصلُ إلا بتخليق الله تعالى ومشيئته ، أمر بالنَّظَرِ والاستدلال في الدَّلائل فقال : " قُلِ انظروا " .
قرأ عاصم{[18628]} وحمزةُ " قُلِ انظُرُوا " بكسر اللام لالتقاء الساكنين ، والأصل فيه الكسر ، والباقون بضمها نقلوا حركة الهمزة إلى اللاَّمِ .
قوله : " مَاذَا " يجوز أن يكون " مَاذَا " كله استفهاماً مبتدأ ، و " فِي السماوات " خبرهُ أي : أيُّ شيءٍ في السَّماواتِ ؟ ويجوزُ أن تكون " ما " مبتدأ ، و " ذَا " بمعنى الذي ، و " فِي السماوات " صلته وهو خبرُ المبتدأ ، وعلى التقديرين فالمبتدأ وخبره في محلِّ نصبٍ بإسقاطِ الخافض لأنَّ الفعل قبله معلقٌ بالاستفهام ، ويجوز على ضعفٍ أن يكون " ماذا " كله موصُولاً بمعنى " الَّذي " وهو في محل نصبٍ ب " انُظُروا " . ووجهُ ضعفه أنَّهُ لا يخلو : إمَّا أن يكون النظر بمعنى البصر فيعدَّى ب " إلى " ، وإمَّا أن يكون قلبيّاً فيُعَدَّى ب " في " ، وقد تقدَّم الكلامُ في " ماذا " .
المعنى : قل للمشركين الذين يسألونك عن الإيمانِ : { قُلِ انظروا مَاذَا فِي السماوات والأرض } واعلم أنَّه لا سبيل إلى معرفةِ الله تعالى إلاَّ بالنَّظر في الدَّلائل . قال عليه الصلاة والسلام : " تفكَّرُوا في الخَلْقِ ولا تتفَكَّرُوا في الخالِق " {[18629]} والدَّلائل إمَّا أن تكون من عالمِ السماوات ، أو من عالم الأرض ، أمَّا الدلائل السماوية ، فهي حركات الأفلاك والكواكب ومقاديرها ، وما يختص به كل واحد منها ، وأمَّا الدلائل الأرضية ، فهي النظر في أحوال العناصر العلوية ، وفي أحوال المعادن والنبات ، وأحوال الإنسان ، وينقسم كل واحد من هذه الأجناس إلى أنواع لا نهاية لها . ولو أنَّ الإنسان أخذ يتفكرُ في كيفية حكمة الله تعالى في تخليق جناح بعوضة لانقطع عقلهُ قبل أن يصل إلى أوَّل مرتبة من مراتب تلك الفوائد .
ثم لمَّا أمر بهذا التفكُّر بيَّن بعده أنَّ هذا التَّفكر والتَّدبر في هذه الآيات لا ينفعُ في حقِّ من حكم الله عليه في الأزلِ بأنَّه لا يؤمن فقال : { وَمَا تُغْنِي الآيات والنذر عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ } .
قوله : " وَمَا تُغْنِي " يجوز في " ما " أن تكون استفهامية ، وهي واقعةٌ موقع المصدر أي : أيَّ غناءٍ تُغني الآيات ؟ ويجوزُ أن تكون نافيةً ، وهو الظَّاهرُ .
وقال ابن عطية{[18630]} : ويحتملُ أن تكون " ما " في قوله : " وما تُغْنِي " مفعولة بقوله : " انظُرُوا " معطوفة على قوله : " مَاذَا " أي : تأمَّلُوا قدر غناء الآيات والنُّذُر عن الكُفَّار .
قال أبو حيان : وفيه ضعفٌ ، وفي قوله : معطوفةٌ على " ماذا " تجوُّزٌ ، يعنى أنَّ الجملة الاستفهامية التي هي " مَاذَا فِي السماوات " في موضع المفعول ؛ لأنَّ " ماذا " وحدهُ منصوبٌ ب " انظُرُوا " فتكون " مَاذَا " موصلة ، و " انظُرُوا " بصرية لما تقدَّم من أنَّه لو كانت بصرية لتعدَّت ب " إِلَى " . و " النُّذُرُ " يجوزُ أن يكون جمع " نَذِير " ، المرادُ به المصدر فيكون التقدير : وما تُغْنِي الآياتُ والإنذارات ، وأن يكون جمع " نذير " مراداً به اسم الفاعل بمعنى منذر فيكون التقدير والمُنْذِرُونَ وهم الرُّسُلُ . وقرئ{[18631]} " وما يُغْنِي " بالياء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.