البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قُلِ ٱنظُرُواْ مَاذَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَمَا تُغۡنِي ٱلۡأٓيَٰتُ وَٱلنُّذُرُ عَن قَوۡمٖ لَّا يُؤۡمِنُونَ} (101)

أمر تعالى بالفكر فيما أودعه تعالى في السموات والأرض ، إذ السبيل إلى معرفته تعالى هو بالتفكر في مصنوعاته ، ففي العالم العلوي في حركات الأفلاك ومقاديرها وأوضاعها والكواكب ، وما يختص بذلك من المنافع والفوائد ، وفي العالم السفلي في أحوال العناصر والمعادن والنبات والحيوان ، وخصوصاً حال الإنسان .

وكثيراً ما ذكر الله تعالى في كتابه الحض على الفكر في مخلوقاته تعالى وقال : ماذا في السموات والأرض تنبيهاً على القاعدة الكلية ، والعاقل يتنبه لتفاصيلها وأقسامها .

ثم لما أمر بالنظر أخبر أنه من لا يؤمن لا تغنيه الآيات .

والنذر جمع نذير ، إما مصدر فمعناه الإنذارات ، وإما بمعنى منذر فمعناه المنذرون والرسل .

وما الظاهر أنها للنفي ، ويجوز أن تكون استفهاماً أي : وأي شيء تغني الآيات وهي الدلائل ؟ وهو استفهام على جهة التقرير .

وفي الآية توبيخ لحاضري رسول الله صلى الله عليه وسلم من المشركين .

وقرأ الحرميان ، والعربيان ، والكسائي : قل انظروا بضم اللام ، وقرىء : وما تغني بالتاء ، وهي قراءة الجمهور وبالياء .

وماذا يحتمل أن يكون استفهاماً في موضع رفع بالابتداء ، والخبر في السموات .

ويحتمل أن يكون الخبر ذا بمعنى الذي ، وصلته في السموات .

وانظروا معلقة ، فالجملة الابتدائية في موضع نصب ، ويبعد أن تكون ماذا كله موصولاً بمعنى الذي ، ويكون مفعولاً لقوله : انظروا ، لأنه إن كانت بصرية تعدت بإلى ، وإن كانت قلبية تعدت بفي .

وقال ابن عطية : ويحتمل أن تكون ما في قوله : وما تغني ، مفعولة لقوله : انظروا ، معطوفة على قوله : ماذا أي : تأملوا نذر غنى الآيات .

والنذر عن الكفار إذا قبلوا ذلك ، كفعل قوم يونس ، فإنه يرفع العذاب في الدنيا والآخرة وينجي من الهلكات .

والآية على هذا تحريض على الإيمان ، وتجوز اللفظ على هذا التأويل ، إنما هو في قوله : لا يؤمنون انتهى .

وهذا احتمال فيه ضعف .

وفي قوله : مفعولة معطوفة على قوله ماذا ، تجوز يعني أنّ الجملة الاستفهامية التي هي ماذا في السموات والأرض في موضع المفعول ، لأنّ ماذا منصوب وحده بانظروا ، فيكون ماذا موصولة .