معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَسَخَّرۡنَا لَهُ ٱلرِّيحَ تَجۡرِي بِأَمۡرِهِۦ رُخَآءً حَيۡثُ أَصَابَ} (36)

قوله تعالى : { فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاءً } لينة ليست بعاصفة ، { حيث أصاب } حيث أراد ، تقول العرب : أصاب الصواب فأخطأ الجواب ، تريد أراد الصواب .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَسَخَّرۡنَا لَهُ ٱلرِّيحَ تَجۡرِي بِأَمۡرِهِۦ رُخَآءً حَيۡثُ أَصَابَ} (36)

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَسَخَّرۡنَا لَهُ ٱلرِّيحَ تَجۡرِي بِأَمۡرِهِۦ رُخَآءً حَيۡثُ أَصَابَ} (36)

والفاء فى قوله - تعالى - : { فَسَخَّرْنَا لَهُ الريح تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَآءً حَيْثُ أَصَابَ } للتفريع على ما تقدم من طلب سليمان من ربه أو يهبه ملكا لا ينبغى لأحد من بعده . والتسخير : التذليل والانقياد . أى : دعانا - سليمان - عليه السلام والتمس منا أن نعطيه ملكا لا ينبغى لأحد من بعده ، فاستجبنا له دعاءه ، وذللنا له الريح ، وجعلناها منقادة لأمره بحيث تجرى بإذنه رخية لينة ، إلى حيث يريدها أن تجرى .

وقوله : { تَجْرِي } حال من الريح . وقوله { بِأَمْرِهِ } من إضافة المصدر لفاعله . أى : بأمره إياها . ولا تنافى بين هذه الآية وبين قوله - تعالى - فى آية أخرى : { وَلِسُلَيْمَانَ الريح عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأرض التي بَارَكْنَا فِيهَا . . . } لأن المقصود من الآيتين بيان أن الريح تجرى بأمر سليمان ، فهى تارة تون لينة وتارة تكون عاصفة ، وفى كلتا الحالتين هى تسير بأمره ورغبته .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَسَخَّرۡنَا لَهُ ٱلرِّيحَ تَجۡرِي بِأَمۡرِهِۦ رُخَآءً حَيۡثُ أَصَابَ} (36)

17

وقد استجاب له ربه ، فأعطاه فوق الملك المعهود ، ملكاً خاصاً لا يتكرر :

( فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب . والشياطين كل بناء وغواص . وآخرين مقرنين في الأصفاد ) .

وتسخير الريح لعبد من عباد الله بإذن الله ؛ لا يخرج في طبيعته عن تسخير الريح لإرادة الله . وهي مسخرة لإرادته تعالى ولا شك ، تجري بأمره وفق نواميسه ؛ فإذا يسر الله لعبد من عباده في فترة من الفترات أن يعبر عن إرادة الله سبحانه وأن يوافق أمره أمر الله فيها وأن تجري الريح رخاء حيث أراد فذلك أمر ليس على الله بمستبعد . ومثله يقع في صور شتى . والله سبحانه يقول في القرآن للرسول [ صلى الله عليه وسلم ]( لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ، ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلاً ) . .

فما معنى هذا ? معناه أنهم إذا لم ينتهوا فستتجه إرادتنا إلى تسليطك عليهم وإخراجهم من المدينة . وسيتم هذا بتوجيه إرادتك أنت ورغبتك إلى قتالهم وإخراجهم ؛ فتتم إرادتنا بهم عن طريقك . فهذا لون من توافق أمر الله - سبحانه - وأمر النبي [ صلى الله عليه وسلم ] وإرادة الله وأمره هما الأصيلان . وهما يتجليان في إرادة الرسول وأمره وفق ما أراد الله . وهذا يقرب إلينا معنى تسخير الريح لأمر سليمان - عليه السلام - تسخيرها لأمره المطابق لأمر الله في توجيه هذه الرياح ، الممثل لأمر الله المعبر عنه على كل حال .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَسَخَّرۡنَا لَهُ ٱلرِّيحَ تَجۡرِي بِأَمۡرِهِۦ رُخَآءً حَيۡثُ أَصَابَ} (36)

قرأ الحسن وأبو رجاء : «الرياح » ، والجمهور على الإفراد .

وسخر الله تعالى الريح لسليمان وكان له كرسي عظيم يقال يحمل أربعة آلاف فارس ، ويقال أكثر ، وفيه الشياطين وتظله الطير ، وتأتي عليه الريح الإعصار فتقله من الأرض حتى يحصل في الهواء يتولاه الرخاء ، وهي اللينة القوية المتشابهة لا يتأتي فيها دفع مفرطة فتحمله غدوها شهر ورواحها شهر ، و { حيث أصاب } حيث أراد ، قاله وهب وغيره ، وأنشد الثعلبي : [ المتقارب ]

أصاب الكلام فلم يستطع***فأخطى الجواب لدى المفصل

ويشبه أن { أصاب } معدى : صاب يصوب ، أي حيث وجه جنوده وجعلهم يصوبون صوب السحاب والمطر . قال الزجاج معناه : قصد ، وكذلك قولك للمتكلم أصبت : معناه قصدت الحق .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَسَخَّرۡنَا لَهُ ٱلرِّيحَ تَجۡرِي بِأَمۡرِهِۦ رُخَآءً حَيۡثُ أَصَابَ} (36)

اقتضت الفاء وترتيب الجمل أن تسخير الريح وتسخير الشياطين كانا بعد أن سأل الله مُلْكاً لا ينبغي لأحد من بعده أن أعطاه هاتين الموهبتين زيادة في قوة ملكه وتحْقِيقاً لاستجابة دعوته لأنه إنما سأل ملكاً لا ينبغي لأحد غيره ولم يسأل الزيادة فيما أعطيه من الملك . ولعل الله أراد أن يعطيه هاتين الموهبتين وأن لا يعطيهما أحداً بعده حتى إذا أعطى أحداً بعده مُلكاً مثل ملكه فيما عدا هاتين الموهبتين لم يكن قد أخلف إجابته .

والتسخير الإِلجاء إلى عمل بدون اختيار ، وهو مستعار هنا لتكوين أسباب صرف الريح إلى الجهات التي يريد سليمان توجيه سفنه إليها لتكون معينة سفنَه على سرعة سيرها ، ولئلا تعاكس وجهه سفنه ، وتقدم في قوله تعالى : { ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر } في سورة [ سبأ : 12 ] .

وقرأ أبو جعفر { الرّياحَ } بصيغة الجمع .

وتقدم قوله : { تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها } في سورة [ الأنبياء : 81 ] .

واللام في { له } للعلة ، أي لأجله ، أي ذلك التسخير كرامَة من الله له بأن جعل تصريف الرياح مقدّراً على نحو رغبته .

والأمر في قوله : { بِأمْرِهِ } مستعار للرغبة أو للدعاء بأن يدعو الله أن تكون الريح متجهة إلى صوب كذا حسب خطة أسفار سفائنه ، أو يرغب ذلك في نفسه ، فيصرف الله الريح إلى ما يلائم رغبته وهو العليم بالخفيّات .

والرُّخاء : اللينة التي لا زعزعة في هبوبها . وانتصب { رُخَاءً } على الحال من ضمير { تَجْرِي } أي تجري بأمره لينة مساعدة لسير السفن وهذا من التسخير لأن شأن الريح أن تتقلب كيفياتُ هبوبِها ، وأكثر ما تهب أن تهب شديدة عاصفة ، وقد قال تعالى في سورة [ الأنبياء : 81 ] : { ولسليمان الريح عاصفة ومعناه : سخرنا لسليمان الريح التي شأنها العصوف ، فمعنى فسخَّرْنَا لهُ } جعلناها له رخاء . فانتصب { عاصفة } في آية سورة الأنبياء على الحال من { الريح } وهي حال منتقلة . ولما أعقبه بقوله : { تجري بأمره } علم أن عصفها يصير إلى لَيْن بأمر سليمان ، أي دعائه ، أو بعزمه ، أو رغبته لأنه لا تصلح له أن تكون عاصفة بحال من الأحوال ، فهذا وجه دفع التنافي بين الحالين في الآيتين .

و { أصَابَ } معناه قصد ، وهو مشتق من الصَّوْب ، أي الجهة ، أي تجري إلى حيث أي جهة قصد السير إليها . حكَى الأصمعي عن العرب : « أَصَابَ الصواب فأخطأ الجواب » أي أراد الصواب فلم يُصب . وقيل : هذا استعمال لها في لغة حِمير ، وقيل في لغة هَجَر .