الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{فَسَخَّرۡنَا لَهُ ٱلرِّيحَ تَجۡرِي بِأَمۡرِهِۦ رُخَآءً حَيۡثُ أَصَابَ} (36)

قوله تعالى : " فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء " أي لينة مع قوتها وشدتها حتى لا تضر بأحد ، وتحمله بعسكره وجنوده وموكبه . وكان موكبه فيما روي فرسخا في فرسخ ، مائة درجة بعضها فوق بعض ، كل درجة صنف من الناس ، وهو في أعلى درجة مع جواريه وحشمه وخدمه ، صلوات الله وسلامه عليه . وذكر أبو نعيم الحافظ قال : حدثنا أحمد بن جعفر ، قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال حدثنا أحمد بن محمد بن أيوب ، قال حدثنا أبو بكر بن عياش عن إدريس بن وهب بن منبه ، قال حدثني أبي قال : كان لسليمان بن داود عليه السلام ألف بيت أعلاه قوارير وأسفله حديد ، فركب الريح يوما فمر بحراث فنظر إليه الحراث فقال : لقد أوتي آل داود ملكا عظيما فحملت الريح كلامه فألقته في أذن سليمان ، قال : فنزل حتى أتى الحراث فقال : إني سمعت قولك ، وإنما مشيت إليك لئلا تتمنى ما لا تقدر عليه ؛ لتسبيحة واحدة يقبلها الله منك لخير مما أوتي آل داود . فقال الحراث : أذهب الله همك كما أذهبت همي .

قوله تعالى : " حيث أصاب " أي أراد . قاله مجاهد . والعرب تقول : أصاب الصواب وأخطأ الجواب . أي أراد الصواب وأخطأ الجواب ؛ قال ابن الأعرابي . وقال الشاعر :

أصاب الكلامَ فلم يستطع *** فأخطأ الجواب لدَى المِفصَلِ

وقيل : أصاب أراد بلغة حمير . وقال قتادة : هو بلسان هجر . وقيل : " حيث أصاب " حينما قصد ، وهو مأخوذ من إصابة السهم الغرض المقصود .