تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَسَخَّرۡنَا لَهُ ٱلرِّيحَ تَجۡرِي بِأَمۡرِهِۦ رُخَآءً حَيۡثُ أَصَابَ} (36)

قوله تعالى : { فسخرنا له الريح تجري بأمره } بين ما أعطاه من الملك بما ذكر من تسخير الريح له والجن والشياطين وغير ذلك ما لم يكن ذلك لأحد من ملوك الأرض سواء . وهذا يدل على أن تسخير هذه الأشياء التي ذكر أنه سخرها لسليمان عليه السلام كان بلطف من الله عز وجل لا يكون ذلك من الخلائق إذ لا يملك أحد من الخلائق تسخير ما ذكر من الخلق لنفسه ، ولو كان يملك ذلك بالخيل لكان يعتني بذلك مع العلم أن كل ملك لا يترك لنفسه من الخيل ما يزيد في ملكه ويبقيه إلى ما يبقى هو حيا . فإن لم يكن دل أنه إنما كان لسليمان ذلك بالله لطفا منه ليكون آية من آيات النبوة ، والله أعلم .

ثم قوله عز وجل { بأمره رخاء حيث أصاب } وصف تلك الريح باللين والرخوة في هذا الموضع ، وقال في آية أخرى : { ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره } [ الأنبياء : 81 ] وصفها بالشدة .

فجائز أن تكون هي في أصل الخلقة شديدة ، لكنها صارت لسليمان عليه السلام لينة سهلة ، وقال قائلون : هي وقت الحمل شديدة . لكنها تصير بالسير لينة سهلة ، والله أعلم ، أو أن يكون قوله عز وجل { عاصفة } على أعداء الله { رخاء } لينة على أوليائه ، والله أعلم .

ثم في ما ذكر من جريه الريح بأمره حيث أراد ، وقصد ، لطف الله عز وجل لسليمان حين جعله بحيث تفهم الريح مراده ، ويفهم منها ما أرادت حتى كان يستعملها في ما شاء . وكذلك ما ذكر من نطق الطير وكلام النمل الذي ذكر ، وتفهم هي منه . فذلك كله بلطف منه ورحمة .