قوله تعالى : { قل إن تخفوا ما في صدوركم } قلوبكم من مودة الكفار .
قوله تعالى : { أو تبدوه } من موالاتهم قولاً وفعلاً .
قوله تعالى : { يعلمه الله } . وقال الكلبي : إن تسروا ما في قلوبكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم من التكذيب أو تظهروه بحرية وقتاله ، يعلمه الله ويحفظه عليكم حتى يجازيكم به ثم قال :
قوله تعالى : { ويعلم ما في السماوات وما في الأرض } يعني إذا كان لا يخفى عليه شيء في السماوات ولا في الأرض ، فكيف يخفى عليه موالاتكم الكفار وميلكم إليهم بالقلب .
ثم أخبر عن سعة علمه لما في النفوس خصوصا ، ولما في السماء والأرض عموما ، وعن كمال قدرته ، ففيه إرشاد إلى تطهير القلوب واستحضار علم الله كل وقت فيستحي العبد من ربه أن يرى قلبه محلا لكل فكر رديء ، بل يشغل أفكاره فيما يقرب إلى الله من تدبر آية من كتاب ، أو سنة من أحاديث رسول الله ، أو تصور وبحث في علم ينفعه ، أو تفكر في مخلوقات الله ونعمه ، أو نصح لعباد الله .
ثم يبين - سبحانه - أنه عليم بالظواهر والبواطن ، وأمر بأن يكثروا من العمل الصالح الذى ينفعهم يوم القيامة ، وأن يلتزموا طاعة الله ورسوله لكى يسعدوا في دينهم ودنياهم ، وأن يراقبوا الله - تعالى - في أقوالهم وأعمالهم لأنه - سبحانه - لا تخفى عليه خافية فقال تعالى : { قُلْ إِن تُخْفُواْ . . . } .
المعنى : قل يا محمد لهؤلاء الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ، وقل لغيرهم ممن يوجه إليهم الخطاب ، قل لهم على سبيل الإرشاد والتحذير { إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ } من ولاية الكفار أو غيرها من الأقوال والأفعال { يَعْلَمْهُ الله } فيجازيكم عليه بما تستحقون .
وفي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتوجيه هذا القول إلى المخاطبين ترهيب لهم من الآمر وهو الله - تعالى - لأن هذا التنويع في الخطاب من شأنه أن يربى المهابة في القلوب . وذلك - والله المثل الأعلى - كأن يقول الملك للمخالفين من رعيته : أحذركم من مخالفتى ، ثم يأمر أحد أصفيائه بأن يكرر هذا التحذير وأن يبين لهم سوء عاقبة المخالفين .
وقوله { وَيَعْلَمُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض } جملة مستأنفة وليست معطوفة على جواب الشرط وهو { يَعْلَمْهُ الله } ، وذلك لأن علمه - سبحانه - بما في السموات والأرض ليس متوقفا على شرط فلذلك جىء به مستأنفا . وهذا من باب ذكر بالعام بعد الخاص وهو علم ما فى صدوركم تأكيدا له وتقريراً .
وقوله { والله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } تذييل قصد به الإخبار بأنه مع علمه الواسع المحيط ، ذو قدرة نافذة على كل شىء وهذا لون من التهديد والتحذير لأن الذي يتوعد غيره بشىء لا يحول بينه وبين تحقيق هذا الشىء إلا أحد أمرين : الجهل بجريمة المجرم ، أو العجز عن تنفيذ وعيده ، فلما أعلمهم - سبحانه - بأن محيط بكل شيء وقادر على كل شيء ، ثبت أنه - سبحانه - متمكن من تنفيذ وعيده .
قال صاحب الكشاف : " وقوله { والله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أى : هو قادر على عقوبتكم وهذا بيان لقوله { وَيُحَذِّرُكُمُ الله نَفْسَهُ } لأن نفسه وهى ذاته المميزة من سائر الذوات ، متصفة بعلم ذاتى لا يختص بمعلوم دون معلوم . فهى متعلقة بالمعلومات كلها وبقدرة ذاتية لا تختص بمقدور دون مقدور ، فهى قادرة على المقدورات كلها فكان حقها أن تحذر وتتقى فلا يجسر أحد على قبيح ولا يقصر عن واجب فإنه مطلع عليه لا محالة فلاحق به العقاب . ولو علم بعض عبيد السلطان أنه أراد الاطلاع على أحواله ، فوكل همه بما يورد ويصدر ، ونصب عليه عيونا ، وبث من يتجسس عن بواطن أموره : لأخذ حذره و تيقظ في أمره ، واتقى كل ما يتوقع فيه الاسترابة به ، فما بال من علم أن العالم بالذات - يعنى أن علمه بذاته لا بعلم زائد عن ذاته كعلم الحوادث وهذا عند المعتزلة - الذى يعلم السر وأخفى مهيمن عليه وهو آمن . اللهم إنا نعوذ بك من اغترارنا بسترك " .
ثم يتابع السياق التحذير ولمس القلوب ، وإشعارها أن عين الله عليها ، وأن علم الله يتابعها :
( قل : إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ، ويعلم ما في السماوات وما في الأرض والله على كل شيء قدير ) . .
وهو إمعان في التحذير والتهديد ، واستجاشة الخشية واتقاء التعرض للنقمة التي يساندها العلم والقدرة ، فلا ملجأ منها ولا نصرة !
يخبر تبارك وتعالى عباده أنه يعلم السرائر والضمائر والظواهر ، وأنه لا يخفى عليه منهم خافية ، بل علمه محيط بهم في سائر الأحوال والآنات واللحظات وجميع الأوقات ، وبجميع ما في السموات والأرض ، لا يغيب عنه مثقال ذرة ، ولا أصغر من ذلك في جميع أقطار الأرض والبحار والجبال ، وهو { عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أي : قدرته{[4941]} نافذة في جميع ذلك .
وهذا تنبيه منه لعباده على خوفه وخشيته ، وألا يرتكبوا ما نهى عنه وما يَبْغضه منهم ، فإنه عالم بجميع أمورهم ، وهو قادر على معاجلتهم بالعقوبة ، وإنْ أنظر من أنظر منهم ، فإنه يمهل ثم يأخذ أخذ عزيز مقتدر ؛ ولهذا قال بعد هذا : { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا
[ وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ] {[4942]} } الآية .
{ قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَاللّهُ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
يعني بذلك جلّ ثناؤه : قل يا محمد للذين أمرتهم أن لا يتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين ، إن تخفوا ما في صدوركم من موالاة الكفار فتسرّوه ، أو تبدوا ذلكم من أنفسكم بألسنتكم وأفعالكم ، فتظهروه يعلمه الله فلا يخفى عليه¹ يقول : فلا تضمروا لهم مودّة ، ولا تظهروا لهم موالاة ، فينالكم من عقوبة ربكم ما لا طاقة لكم به ، لأنه يعلم سركم وعلانيتكم ، فلا يخفى عليه شيء منه ، وهو محصيه عليكم حتى يجازيكم عليه بالإحسان إحسانا ، وبالسيئة مثلها . كما :
حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي ، قال : أخبرهم أنه يعلم ما أسرّوا من ذلك وما أعلنوا ، فقال : { إِنْ تُخْفُوا ما في صُدُورِكُمْ أوْ تُبْدُوهُ } .
وأما قوله : { وَيَعْلَمُ مَا فِي السّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ } فإنه يعني أنه إذ كان لا يخفى عليه شيء هو في سماء أو أرض أو حيث كان ، فكيف يخفى عليه أيها القوم الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ، ما في صدوركم من الميل إليهم بالمودّة والمحبة ، أو ما تبدونه لهم بالمعونة فعلاً وقولاً .
وأما قوله : { وَاللّهُ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } فإنه يعني : والله قدير على معاجلتكم بالعقوبة على موالاتكم إياهم ، ومظاهرتكموهم على المؤمنين ، وعلى ما يشاء من الأمور كلها ، لا يتعذّر عليه شيء أراده ، ولا يمتنع عليه شيء طلبه .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{قل}: لهم يا محمد: {إن تخفوا ما في صدوركم}: إن تسروا ما في قلوبكم من الولاية للكفار. {أو تبدوه}: أو تظهروا ولايتهم. {يعلمه الله ويعلم ما في السموات وما في الأرض والله على كل شيء}: من المغفرة والعذاب {قدير}...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قل يا محمد للذين أمرتهم أن لا يتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين:"إن تخفوا ما في صدوركم" من موالاة الكفار فتسرّوه، أو تبدوا ذلكم من أنفسكم بألسنتكم وأفعالكم، فتظهروه، "يعلمه الله "فلا يخفى عليه¹، يقول: فلا تضمروا لهم مودّة، ولا تظهروا لهم موالاة، فينالكم من عقوبة ربكم ما لا طاقة لكم به، لأنه يعلم سركم وعلانيتكم، فلا يخفى عليه شيء منه، وهو محصيه عليكم حتى يجازيكم عليه بالإحسان إحسانا، وبالسيئة مثلها. {وَيَعْلَمُ مَا فِي السّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ}: إذ كان لا يخفى عليه شيء هو في سماء أو أرض أو حيث كان، فكيف يخفى عليه أيها القوم الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، ما في صدوركم من الميل إليهم بالمودّة والمحبة، أو ما تبدونه لهم بالمعونة فعلاً وقولاً.
{وَاللّهُ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}: والله قدير على معاجلتكم بالعقوبة على موالاتكم إياهم، ومظاهرتكموهم على المؤمنين، وعلى ما يشاء من الأمور كلها، لا يتعذّر عليه شيء أراده، ولا يمتنع عليه شيء طلبه.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
وجه اتصال هذه الآية بما قبلها، أنه لما تقدم النهي عن اتخاذ الكفار أولياء، خوفوا من الإعلان بخلاف الإظهار في ما نهوا عنه بأن الله تعالى يعلم الإسرار كما يعلم الإعلان...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
هذا بيان لقوله: {وَيُحَذّرُكُمُ الله نَفْسَهُ} [آل عمران: 28] لأنّ نفسه وهي ذاته المميزة من سائر الذوات، متصفة بعلم ذاتي لا يختص بمعلوم دون معلوم، فهي متعلقة بالمعلومات كلها وبقدرة ذاتية لا تختص بمقدور دون مقدور، فهي قادرة على المقدورات كلها، فكان حقها أن تحذر وتتقى فلا يجسر أحد على قبيح ولا يقصر عن واجب، فإن ذلك مطلع عليه لا محالة فلاحق به العقاب، ولو علم بعض عبيد السلطان أنه أراد الاطلاع على أحواله، فوكل همه بما يورد ويصدر، ونصب عليه عيوناً، وبث من يتجسس عن بواطن أموره، لأخذ حذره وتيقظ في أمره، واتقى كل ما يتوقع فيه الاسترابة به، فما بال من علم أنّ العالم الذات الذي علم السر وأخفى مهيمن عليه وهو آمن. اللهم إنا نعوذ بك من اغترارنا بسترك..
اعلم أنه تعالى لما نهى المؤمنين عن اتخاذ الكافرين أولياء ظاهرا وباطنا واستثنى عنه التقية في الظاهر، أتبع ذلك بالوعيد على أن يصير الباطن موافقا للظاهر في وقت التقية، وذلك لأن من أقدم عند التقية على إظهار الموالاة، فقد يصير إقدامه على ذلك الفعل بحسب الظاهر سببا لحصول تلك الموالاة في الباطن، فلا جرم بين تعالى أنه عالم بالبواطن كعلمه بالظواهر، فيعلم العبد أنه لا بد أن يجازيه على كل ما عزم عليه في قلبه...
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
ثم أخبر عن سعة علمه لما في النفوس خصوصا، ولما في السماء والأرض عموما، وعن كمال قدرته، ففيه إرشاد إلى تطهير القلوب واستحضار علم الله كل وقت فيستحي العبد من ربه أن يرى قلبه محلا لكل فكر رديء، بل يشغل أفكاره فيما يقرب إلى الله من تدبر آية من كتاب، أو سنة من أحاديث رسول الله، أو تصور وبحث في علم ينفعه، أو تفكر في مخلوقات الله ونعمه، أو نصح لعباد الله...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ثم يتابع السياق التحذير ولمس القلوب، وإشعارها أن عين الله عليها، وأن علم الله يتابعها: (قل: إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله، ويعلم ما في السماوات وما في الأرض والله على كل شيء قدير).. وهو إمعان في التحذير والتهديد، واستجاشة الخشية واتقاء التعرض للنقمة التي يساندها العلم والقدرة، فلا ملجأ منها ولا نصرة!...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
انتقال من التحذير المجمل إلى ضرب من ضروب تفصيله، وهو إشعار المحذّر باطّلاع الله على ما يخفونه من الأمر. وذكر الصدور هنا والمراد البواطن والضمائر: جرياً على معروف اللغة من إضافة الخواطر النفسية إلى الصدر والقلب، لأنّ الانفعالات النفسانية وتردّدات التفكّر ونوايا النفوس كلّها يشعر لها بحركات في الصدور...
وزاد أو تُبدوه فأفاد تعميم العلم تعليماً لهم بسعة علم الله تعالى لأنّ مقام إثبات صفات الله تعالى يقتضي الإيضاح...
وقوله: {والله على كل شيء قدير} إعلام بأنّه مع العلم ذو قدرة على كلّ شيء، وهذا من التهديد؛ إذ المهدِّد لا يحول بينه وبين تحقيق وعيده إلاّ أحد أمرين: الجهل بجريمة المجرم، أو العجز عنه، فلما أعلمهم بعموم علمه، وعموم قدرته، علموا أنّ الله لا يفلتهم من عقابه...
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
{قل إن تخفوا ما في صدوركم او تبدوه يعلمه الله}: كان التحذير والتخويف من الله سبحانه وتعالى،وقد أمر سبحانه نبيه بأن لهم مقدار علمه بخفايا نفوسهم،وعلمه بالكون وما فيه،فقال سبحانه: {قل عن تخفوا ما في صدوركم}: أي أن علمه سبحانه وتعالى يعم الظاهر والباطن،وإن كون الأمر ظاهرا أو باطنا إنما هو بالنسبة لنا، أما علم الله تعالى فإنه فيه ظاهر وباطن،بل العلم كله سواء بالنسبة له سبحانه وتعالى وسيق إثبات علم الله تعالى وإحاطته الشاملة في هذا المقام،لمقام التحذير أيضا؛ لأن الذين يوالون الكافرين يظنون في أنفسهم ضعفا وقد يظهرون أن ما يفعلونه إنما هو تقية وخوف من الكافرين،والواقع أنهم يفعلون ذلك استخذاء وذلة،أو تملقا للأقوياء أو مداهنة لهم على أقوامهم،أو رجاء غرض دنيوي ينالونه... إذ نجد ناسا يبررون كل خيانة قومية ودينية،والدخول في ولاية غير المؤمنين بالتقية وحال الضعف، وما هو إلا ضعف وازع الدين وفقد اليقين،ورجاء الدنيا الذليلة،وفرار من العزة والحياة السامية الكريمة حقا وصدقا؛ فأمر الله نبيه أن يبين أنه يعلم ما تخفيه الصدور،وما تختلج به القلوب،وما ينوون وما يقصدون،كما يعلم ما يبدون ويعلنون،وأن الله سبحانه محاسبهم على أعمالهم بنياتهم،لا بظواهر هذه العمال،ولا بما تتلوى به الألسنة،وإن كانت مخافة لما تطويه القلوب.
وجعل البيان من النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن وجه سبحانه وتعالى الترهيب بذاته العلية؛ لأن ذلك التنويع من شأنه أن يربي المهابة،كما يقول ذو السلطان محذرا مخوفا:أحذركم مخالفتي،ثم يتركه لصفى من أصفياءه يبين له مدى سلطانه وقوته وعلمه.
{ويعلم ما في السموات وما في الأرض والله على كل شيء قدير}: في هذا بيان شمول علم الله تعالى وشمول قدرته،فهو يعلم سرائر النفوس وظواهرها،كما بين في الجملة السابقة،ويعلم الكون وما يجري فيه من نجوم سارية،وأفلاك دائرة،وشمس مشرقة،وقمر منير،والسحاب وما تحمل، والرياح المسخرات بين السماء والأرض، ويعلم كل الأحوال، وكل الأزمان،وكل اللحظات، وجميع الأوقات، وما من شيء في هذا الوجود إلا تحت سلطان علمه،وفي متعلق إرادته، وفي شمول قدرته؛ إنه فعال لما يريد؛ فكيف يتصور من عاقل أن يترك ولاية المؤمنين وهم أولياؤه، ويدخل في ولاية الكافرين وهم أعداؤه؟ فإن كانت الولاية للعزة والقدرة والسلطان والعلم،فلله وحده العزة والكبرياء في السموات والأرض. وقد ذكر سبحانه شمول القدرة بعد شمول العلم؛ لأن القدرة الكاملة لا تكون إلا عن العلم الكامل، فكمال القدرة من مظاهر كمال العلم.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
نهت الآية السابقة عن الصداقة والتعاون مع الكافرين والاعتماد عليهم نهياً شديداً، واستثنت من ذلك حالة «التقية».
إلاَّ أنّ بعضهم قد يتّخذ من «التقية» في غير محلّها ذريعة لمدّ يد الصداقة إلى الكفّار أو الخضوع لولايتهم وسيطرتهم. وبعبارة أخرى أنّهم قد يستغلّون «التقية» ويتّخذونها مبرّراً لعقد أواصر العلاقات مع أعداء الإسلام. فهذه الآية تحذّر أمثال هؤلاء وتأمرهم أن يضعوا نصب أعينهم علم الله المحيط بأسرار القلوب والعالِم بما ظهر وما خفي وتقول (قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله) ولا يقتصر علم الله الواسع على ذلك بل: (ويعلم ما في السّماوات والأرض).