فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{قُلۡ إِن تُخۡفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمۡ أَوۡ تُبۡدُوهُ يَعۡلَمۡهُ ٱللَّهُۗ وَيَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (29)

{ قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السموات وما في الأرض } هذا نذير وتذكير بإحاطة علم ربنا الخبير الذي لا تخفى عليه خافية وما يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر سرا كان أو جهرا أو حديث نفس ، والمؤمنون تقشعر جلودهم إذا ذكروا بآيات ربهم ، في صحيح مسلم {[922]} عن ابن عباس قال : لما نزلت { . . . وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله . . . }{[923]} قال : دخل قلوبهم منه شيء لم يدخل قلوبهم من شيء : فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( قولوا سمعنا وأطعنا وسلمنا ) قال فألقى الله الإيمان في قلوبهم فأنزل الله تعالى { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا }{[924]} قال " قد فعلت " { ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا } قال " قد فعلت " { ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين } قال " قد فعلت " .

{ والله على كل شيء قدير }- والله قدير على معاجلتكم بالعقوبة على موالاتكم إياهم ومظاهرتكموهم على المؤمنين وعلى ما يشاء من الأمور كلها لا يتعذر عليه شيء أراده ولا يمتنع عليه شيء طلبه{[925]} .


[922]:ونقل ابن كثير روى الإمام أحمد عن أبي هريرة قال: لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم {لله ما في السموات وما في الأرض وإن تبدو ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شئ قدير} اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى عليه وسلم، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جثوا على الركب وقالوا: يا رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة والصيام والجهاد والصدقة وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا بل قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير" فلما أقر بها القوم وذلت بها ألسنتهم أنزل الله في أثرها {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير} فلما فعلوا ذلك نسخه الله فأنزل قوله {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} قال نعم {ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا} قال نعم {ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين} قال نعم".
[923]:من سورة البقرة من الآية 284.
[924]:من سورة البقرة من الآية 286.
[925]:من جامع البيان.