معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَسۡبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (64)

قوله تعالى : { يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين } ، قال سعيد بن جبير : أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة وثلاثون رجلاً وست نسوة ، ثم أسلم عمر بن الخطاب فتم به الأربعون ، فنزلت هذه الآية . واختلفوا في محل ( من ) فقال أكثر المفسرين محله خفض ، عطفاً على الكاف في قوله : { حسبك الله } وحسب من اتبعك ، وقال بعضهم : هو رفع عطفاً على اسم الله معناه : حسبك الله ومتبعوك من المؤمنين .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَسۡبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (64)

ثم قال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ ْ } أي : كافيك { وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ْ } أي : وكافي أتباعك من المؤمنين ، . وهذا وعد من اللّه لعباده المؤمنين المتبعين لرسوله ، بالكفاية والنصرة على الأعداء .

فإذا أتوا بالسبب الذي هو الإيمان والاتباع ، فلابد أن يكفيهم ما أهمهم من أمور الدين والدنيا ، وإنما تتخلف الكفاية بتخلف شرطها .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَسۡبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (64)

ثم مضت السورة الكريمة في تثبيت الطمأنينة في قلب النبى - صلى الله عليه وسلم - وفى قلوب أصحابه فبينت لهم أن الله كافيهم وناصرهم ، وأن القلة منهم تغلب الكثرة من أعداء الله وأعدائهم فقال - تعالى - : { ياأيها النبي . . . مَعَ الصابرين } .

قال الفخر الرازى : اعلم أنه - تعالى - لما وعده بالنصر عند مخادعة الأعداء ، وعده بالنصر والظفر في هذه الآية مطلقاً على جميع التقديرات ، وعلى هذا الوجه لا يلزم حصول التكرار ؛ لأن المعنى في الآية الأولى ؛ إن أرادوا خداعك كفاك الله أمرهم .

والمعنى في هذه الآية عام في كل ما يحتاج إليه في الدين والدنيا .

وهذه الآية نزلت بالبيداء في غزوة بدر قبل القتال . .

وقوله : { حَسْبُكَ } صفة مشبهة بمعنى اسم الفاعل ، والكاف في محل جر .

والواو في قوله { وَمَنِ اتبعك } بمعنى مع ، و { مَنِ } في محل نصب عطفاً على الموضع ، فإن قوله { حَسْبُكَ } بمعنى كافيك في جميع أمورك .

والمعنى : يأيها النبى كافيك الله وكافى متبعيك من المؤمنين فهو - سبحانه - ناصركم ومؤيدكم على أعدائكم وإن كثر عددهم وقل عددكم ، وما دام الأمر كذلك ، فاعتمدوا عليه وحده ، وأطيعوا في السر والعلن ؛ لكى يديم عليكم عونه وتأييده ونصره .

قال بعض العلماء : قال ابن القيم عند تفسيره لهذه الآية : أى : الله وحده كافيك وكافى أتباعك فلا يحتاجون معه إلى أحد . ثم قال : وههنا تقديران :

أحدهما : أن تكون الواو عاطفة للفظ " من " على الكاف المجرروة . .

والثانى : أن تكون الواو بمعنى " مع " وتكون " من " في محل نصب عطفاً على الموضع . فإن " حسبك " في معنى كافيك أى : الله يكفيك ويكفى من اتبعك ، كما يقول العرب : حسبك وزيدا درهم ، قال الشاعر :

وإذا كانت الهيجاء وانشقت العصا . . . فحسبك والضحاك سيف مهند

وهذا أصح التقديرين . وفيها تقدير ثالث : أن تكون " من " في موضع رفع بالابتداء : أي ومن اتبعك من المؤمنين فحسبهم الله .

وفيها تقدير رابع وهو خطأ من جهة المعنى ، وهو أن يكون " من " في موضع رفع عطفا على اسم الله . ويكون المعنى : حسبك الله وأتباعك .

هذا وإن قال به بعض الناس فهو خطأ محض ، لا يجوز حمل الآية عليه ، فإن الحسب والكفاية لله وحده ، كالتوكل والتقوى والعبادة . .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَسۡبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (64)

55

بعد ذلك يمضي السياق يطمئن رسول الله [ ص ] والعصبة المسلمة من ورائه ، إلى ولاية الله - سبحانه - له ولها ؛ وهو حسبه وحسبها ؛ ثم يأمره بتحريض المؤمنين على القتال في سبيل الله ؛ فهم أكفاء لعشرة أمثالهم ممن لا يفقهون فقههم ؛ وهم على الأقل أكفاء لمثليهم في أضعف الحالات :

( يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين . يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال ، إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين ، وإن يكن منكم مئة يغلبوا ألفاً من الذين كفروا ، بأنهم قوم لا يفقهون . الآن خفف الله عنكم ، وعلم أن فيكم ضعفاً ، فإن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مئتين ، وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله ، والله مع الصابرين ) . .

ويقف الفكر ليستعرض القوة التي لا راد لها ، ولا معقب عليها - قوة الله القوي العزيز - وأمامها تلك القوة الضئيلة العاجزة الهزيلة - التي تتصدى لكتائب الله - فإذا الفرق شاسع ، والبون بعيد . وإذا هي معركة مضمونة العاقبة ، معروفة النهاية ، مقررة المصير . . وهذا كله يتضمنه قوله تعالى :

( يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ) . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَسۡبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (64)

64

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن عثمان بن حكيم ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، أنبأنا سفيان ، عن شوذب{[13138]} عن الشعبي في قوله : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } قال : حسبك الله ، وحسب من شهد معك .

قال : وروي عن عطاء الخراساني ، وعبد الرحمن بن زيد [ بن أسلم ]{[13139]} مثله . ولهذا قال : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ }


[13138]:في هـ، ك: "عن ابن شوذب" والمثبت من م، أ، والطبري.
[13139]:زيادة من أ.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَسۡبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (64)

القول في تأويل قوله تعالى : { يَأَيّهَا النّبِيّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : يا أيها النبيّ حسبك الله ، وحسب من اتبعك من المؤمنين الله . يقول لهم جلّ ثناؤه : ناهضوا عدوّكم ، فإن الله كافيكم أمرهم ، ولا يهولنكم كثرة عددهم وقلة عددكم ، فإن الله مؤيدكم بنصره .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا مؤمل بن إسماعيل ، قال : حدثنا سفيان ، عن شوذب بن معاذ ، عن الشعبيّ في قوله : يا أيّها النّبيّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتّبَعَكَ منَ المُؤْمِنِينَ قال : حسبك الله وحسب من اتبعك من المؤمنين الله .

حدثني أحمد بن عثمان بن حكيم الأودي ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، قال : أخبرنا سفيان ، عن شوذب ، عن الشعبيّ ، في قوله : يا أيّها النّبيّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتّبَعَكَ منَ المُؤْمِنِينَ قال : حسبك الله وحسب من معك .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عبيد الله ، عن سفيان ، عن شوذب ، عن عامر ، بنحوه ، إلا أنه قال : حسبك الله وحسب من شهد معك .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، عن ابن زيد ، في قوله : يا أيّها النّبيّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتّبَعَكَ منَ المُؤْمِنِينَ قال : يا أيها النبيّ حسبك الله وحسب من اتبعك من المؤمنين ، إنّ حسبك أنت وهم الله .

ف«مَنْ » من قوله : وَمَنِ اتّبَعَكَ منَ المُؤْمِنِينَ على هذا التأويل الذي ذكرناه عن الشعبي نصب عطفا على معنى الكاف في قوله : حَسْبُكَ اللّهُ لا على لفظه ، لأنها في محل خفض في الظاهر وفي محل نصب في المعنى ، لأن معنى الكلام : يكفيك الله ، ويكفي من اتبعك من المؤمنين . وقد قال بعض أهل العربية في «مَن » : إنها في موضع رفع على العطف على اسم الله ، كأنه قال : حسبك الله ومتبعوك إلى جهاد العدوّ من المؤمنين دون القاعدين عنك منهم . واستشهد على صحة قوله ذلك بقوله : حَرّضِ المُؤْمِنينَ على القِتالِ .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَسۡبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (64)

وقوله تعالى : { يا أيها النبي أحسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين } قال النقاش : نزلت هذه الآية بالبيداء في غزوة بدر قبل القتال ، وحكي عن ابن عباس أنها نزلت في الأوس والخزرج خاصة ، قال ويقال إنها نزلت حين أسلم عمر وكمل المسلمون أربعين ، قاله ابن عمر وأنس ، فهي على هذا مكية ، و { حسبك } في كلام العرب و{ شرعك }{[5459]} بمعنى : كافيك ويكفيك ، والمحسب الكافي ، وقالت فرقة : معنى هذه الآية يكفيك الله ويكفيك من اتبعك من المؤمنين ، ف { من } في هذا التأويل رفع عطفاً على اسم الله عز وجل ، وقال عامر الشعبي وابن زيد : معنى الآية حسبك الله وحسب من اتبعك من المؤمنين ، ف { من } في هذا التأويل في موضع نصب عطفاً على موضع الكاف ، لأن موضعها نصب على المعنى ليكفيك التي سدَّت { حسبك } مسدَّها ، ويصح أن تكون { من } في موضع خفض بتقدير محذوف كأنه قال وحسب وهذا كقول الشاعر : [ المتقارب ]

أكلُّ امرىءٍ تحسبين امرأً*** ونار توقَّدُ بالليلِ نارا{[5460]}

التقدير وكل نار ، وهذا الوجه من حذف المضاف مكروه بابه ضرورة الشعر{[5461]} ، ويروى البيت وناراً ، ومن نحو هذا قول الشاعر : [ الطويل ]

إذا كانت الهيجاءُ وانشقَّت العصا*** فحسبُك والضحَّاكُ سيف مهند{[5462]}

يروى «الضحاك » مرفوعاً والضحاك منصوباً والضحاك مخفوضاً فالرفع عطف على قوله سيف بنية التأخير كما قال الشاعر :

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** عليك ورحمة الله السلام{[5463]}

ويكون «الضحاك » على هذا محسباً للمخاطب{[5464]} ، والنصب عطفاً على موضع الكاف من قوله «حسبك » والمهند على هذا محسب للمخاطب ، والضحاك على تقدير محذوف كأنه قال فحسبك الضحاك .


[5459]:- يقال في المثل: "شرعك ما بلّغك المحلّ"، أي: يكفيك من الزاد ما بلّغك مقصدك. (مجمع الأمثال للميداني).
[5460]:- نُسب هذا البيت لجارية بن الحجاج، وحارثة بن حمران، وعدي بن زيد العبادي، وأبي دؤاد- وهو في كتاب سيبويه 1-33، وابن عقيل 2-20، والكامل 247، 825، والسيوطي 239.
[5461]:- قال أبو حيان في "البحر المحيط" تعقيبا على ذلك: "وليس بمكروه ولا ضرورة، وقد أجازه سيبويه في الكلام وخرّج عليه البيت وغيره من الكلام الفصيح". (البحر المحيط 4-516).
[5462]:- لم نقف على قائل البيت، و"كان" هنا تامة، والهيجاء: الحرب، وانشقت العصا: تفرقت الجماعة، وقد ذكر ابن عطية بالتفصيل الأوجه الثلاثة في إعراب كلمة "الضحاك"، وقد روي بها البيت. وذكر صاحب اللسان البيت دليلا على أن الكاف في (حسبك) في موضع نصب كما هي في الآية الكريمة، وذكر أن (من) في موضع نصب أيضا.
[5463]:- هذا عجز بيت للأحوص، والبيت بتمامه: ألا يا نخلة من ذات عرف عليك ورحمة الله السلام هكذا ذكره في الخزانة 1-192، 312- وفي مجالس ثعلب 1-198 روي الشطر الثاني: "برود الظل شاعكم السلام"، وعلى هذا فلا شاهد فيه على العطف، وتقدير العطف بنيّة التأخير كما في رواية الخزانة وابن عطية: "عليك السلام ورحمة الله"، فـ (رحمة) معطوفة على (السلام) على نية التأخير. والنخلة كناية عن امرأة، ومعنى "شاعكم": عمّكم وصحبكم.
[5464]:- أي: هو الكافي للمخاطب.