تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَسۡبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (64)

{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ( 64 ) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ ( 65 ) الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ( 66 ) }

التفسير :

64 – { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } .

أي : كافيك الله تعالى .

فالله تعالى وحده كافيك ، وكافي أتباعك فلا يحتاجون معه إلى أحد .

وهذه الآية لون من ألوان التكريم الإلهي ، لهذا النبي ولهؤلاء الرجال الكرام ، الذين آووه ونصروه ، يكفي أن يكون الله العلي القدير ، هو وليه وناصرهم وكافيهم ، ومتولّى الدفاع عنهم ؛ إن هذه الآية حصن أمان لهذا النبي ولمن اتبعه من المؤمنين .

ونظير هذا قوله تعالى : { أليس الله بكاف عبده } . ( الزمر : 36 ) .

وقوله سبحانه : { فإذا فرغت فانصب * وإلى ربك فارغب } . ( الشرح : 7 ، 8 ) .

وقوله عز شأنه : { ولو أنهم رضوا ما آتاهم ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتنا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون . ( التوبة : 59 ) .

والآية لون أيضا من ألوان صدق العقيدة ، وإخلاص التوحيد ؛ فمن كان الله كافيك وحافظه ؛ فهو في حصن مشيد ، وأمن سعيد .

وفي تفسير القاسمي ، شرح طويل لهذه الآية .

فقد نقل عن العلامة ابن القيم في زاد المعاد وجوه إعراب الآية .

وخلاصة ذلك ما يأتي :

1 – الواو عاطفة ل من على الكاف المجرورة .

والمعنى : كافيك الله ، ومن معك من المؤمنين في تحقيق النصر ، أي : أن الله يكفيك وينصرك ، وينصر من معط من المؤمنين .

2- من في موضع رفع عطف على اسم الله ، ويكون المعنى : حسبك الله ، وأتباعك .

وابن القيم يرفض هذا المعنى الثاني ؛ لأن الحسب والكفاية لله وحده ؛ كالتوكل والتقوى والعبادة .

قال الله تعالى : { وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين } . ( الأنفال : 62 ) .

ففرق بين الحسب والتأييد ، فجعل الحسب له وحده وجعل التأييد له بنصره وبعباده . انتهى .

قال الخفاجىّ( في العناية ) : وتضعيفه الرفع لا وجه له ، فإن الفراء والكسائي رجحاه ، وما قبله وما بعده يؤيده .

وترى فيما سبق اتجاهين للعلماء .

الاتجاه الأول :

لابن القيم وغيره من المفسرين يرون أن الله وحده هو حسب النبي وكافيه ، وقدرته لا مرد لها .

وذهبوا إلى إضافة المؤمنين إلى النبي ؛ فهي معطوف على كاف الخطاب .

بمعنى : يا أيها النبي حسبك الله ، وحسب المؤمنين .

أي : يكفي أن يكون الله ناصرا لك وللمؤمنين .

الاتجاه الثاني :

للفراء الكسائي والخفاجي وغيرهم يقولون : عطف المؤمنين على لفظ الجلالة ليس ضعيفا بل قويا ؛ ونرى أن معنى الآية مرتبط بما قبلها وما بعدها ؛ وسياق الكلام يرجح أن جملة { ومن اتبعك من المؤمنين } . في موضع رفع ، وهي معطوفة على اسم الله . وهذا الاتجاه يؤيده قوله تعالى : { هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين } . ، ويضيف إلى المؤمنين شرفا وتكريما ، فهم جند الله ورجاله ، الذي أيد بهم الرسول صلى الله عليه وسلم والآية التالية بتحريض المؤمنين على القتال ، بحيث إن المؤمن لا يجوز أن يفر من عشرة أفراد .

هو نوع لاحق من تشريف المؤمنين ورفع أقدارهم ، وأنهم بما في قلوبهم من إيمان ؛ في منزلة لا ينالها الكافرون والمشركونlvi .