التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَسۡبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (64)

قوله تعالى : { يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين 64 يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون 65 الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين } روي عن ابن عباس قوله : أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة وثلاثون رجلا ، ثم إن عمر أسلم فصاروا أربعين ، فنزل جبريل عليه السلام بقوله تعالى : { يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين } {[1688]} . وروي عن عبد الله بن مسعود قال : ما كنا نقدر أن نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر . فلما أسلم قاتل قريشا حتى صلى عند الكعبة وصلينا معه . وكان إسلام عمر بعد خروج من خرج من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحبشة .

و { حسبك الله } ، يعني كافيك الله وناصرك ومؤيدك ، { ومن اتبعك من المؤمنين } من ، في محلها وجهان ، هما الرفع والنصب . أما الرفع : فهو بالعطف على لفظ الجلالة { الله } أي حسبك الله وحسبك المؤمنون ، بمعنى : كفاتك الله وكفاك المؤمنون . وأما النصب : فهو على أن الواو بمعنى مع وما بعده منصوب . كما تقول : حسبك وزيدا درهم . والمعنى : كفاك وكفى أتباعك من المؤمنين الله ناصرا{[1689]} .

ذلك تحريض من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين معه على قتال الأعداء ومناجزتهم في شجاعة واستبسال لا يثنيهم عن ذلك تخاذل ولا خور . ويخبرهم إخبارا لا ريب فيه أنه كافيهم وناصرهم ومؤيدهم على عدوهم بالرغم من كثرة أعدادهم وجموعهم وعظيم قوتهم ، في مقابلة قلة المسلمين أو ضعف طاقتهم المادية ؛ فإنه في كل الأحوال ، الله ينصر جنده المؤمنين الصابرين الثابتين على الحق ، وعلى منهجه الحكيم ما داموا غير مفرطين ولا مقصرين ، وقد أعدوا للقتال وما وسعهم الإعداد ، وتهيأوا لهذه الوجيبة العظيمة ما استطاعوا .

قوله : { ومن اتبعك من المؤمنين } أي الله كافيك ، والمؤمنين كافوك ، أو حسبك الله وحسبك المهاجرين والأنصار . وعلى المعنى الآخر ، أن الله كافيك وكافي من تبعك .


[1688]:أسباب النزول للنيسابوري ص 160.
[1689]:البيان لابن الأنباري جـ 1 ص 391 والكشاف جـ 2 ص 167.