معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ مِنۡ أَزۡوَٰجِكُمۡ وَأَوۡلَٰدِكُمۡ عَدُوّٗا لَّكُمۡ فَٱحۡذَرُوهُمۡۚ وَإِن تَعۡفُواْ وَتَصۡفَحُواْ وَتَغۡفِرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (14)

قوله عز وجل :{ يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم } قال ابن عباس : هؤلاء رجال من أهل مكة أسلموا ، وأرادوا أن يهاجروا إلى المدينة ، فمنعهم أزواجهم وأولادهم ، وقالوا : صبرنا على إسلامكم فلا نصبر على فراقكم ، فأطاعوهم ، وتركوا الهجرة فقال تعالى : { فاحذروهم } أن تطيعوهم وتدعوا الهجرة . { وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم } هذا فيمن أقام على الأهل والولد ولم يهاجر ، فإذا هاجر رأى الذين سبقوه بالهجرة قد فقهوا في الدين هم أن يعاقب زوجه وولده الذين ثبطوا عن الهجرة ، وإن لحقوا به في دار الهجرة لم ينفق عليهم ولم يصبهم بخير ، فأمرهم الله عز وجل بالعفو عنهم والصفح . وقال عطاء ابن يسار : نزلت في عوف بن مالك الأشجعي : كان ذا أهل وولد ، وكان إذا أراد الغزو بكوا إليه ورققوه ، وقالوا : إلى من تدعنا ؟ فيرق لهم ويقيم ، فأنزل الله : { إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم } بحملهم إياكم على ترك الطاعة ، فاحذروهم أن تقبلوا منهم . وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا ، فلا تعاقبوهم على خلافهم إياكم فإن الله غفور رحيم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ مِنۡ أَزۡوَٰجِكُمۡ وَأَوۡلَٰدِكُمۡ عَدُوّٗا لَّكُمۡ فَٱحۡذَرُوهُمۡۚ وَإِن تَعۡفُواْ وَتَصۡفَحُواْ وَتَغۡفِرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (14)

{ 14-15 } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ }

هذا تحذير من الله للمؤمنين ، من الاغترار بالأزواج والأولاد ، فإن بعضهم عدو لكم ، والعدو هو الذي يريد لك الشر ، ووظيفتك الحذر ممن هذه وصفه{[1128]}  والنفس مجبولة على محبة الأزواج والأولاد ، فنصح تعالى عباده أن توجب لهم هذه المحبة الانقياد لمطالب الأزواج والأولاد ، ولو كان فيها ما فيها من المحذور الشرعي{[1129]}  ورغبهم في امتثال أوامره ، وتقديم مرضاته بما عنده من الأجر العظيم المشتمل على المطالب العالية والمحاب الغالية ، وأن يؤثروا الآخرة على الدنيا الفانية المنقضية ، ولما كان النهي عن طاعة الأزواج والأولاد ، فيما هو ضرر على العبد ، والتحذير من ذلك ، قد يوهم الغلظة عليهم وعقابهم ، أمر تعالى بالحذر منهم ، والصفح عنهم والعفو ، فإن في ذلك ، من المصالح ما لا يمكن حصره ، فقال : { وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } لأن الجزاء من جنس العمل .

فمن عفا عفا الله عنه ، ومن صفح صفح الله عنه ، ومن غفر غفر الله له ، ومن عامل الله فيما يحب ، وعامل عباده كما يحبون وينفعهم ، نال محبة الله ومحبة عباده ، واستوثق له أمره .


[1128]:- في ب:هذه صفته.
[1129]:- في ب: التي فيها محذور شرعي.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ مِنۡ أَزۡوَٰجِكُمۡ وَأَوۡلَٰدِكُمۡ عَدُوّٗا لَّكُمۡ فَٱحۡذَرُوهُمۡۚ وَإِن تَعۡفُواْ وَتَصۡفَحُواْ وَتَغۡفِرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (14)

وفى نهاية السورة الكريمة ، وجه - سبحانه - نداء إلى المؤمنين ، حذرهم فيه من فتنة الأزواج والأولاد والأموال ، وحضهم على مراقبته وتقواه ، وحذرهم من البخل والشح ، ووعدهم بالأجر العظيم متى أطاعوه . . . . فقال - تعالى - : { ياأيها الذين آمنوا إِنَّ مِنْ . . . } .

ذكر المفسرون فى سبب نزول هذه الآيات روايات منها ما روى عن ابن عباس - رضى الله عنهما - أن رجلا يسأله عن هذه الآيات فقال : هؤلاء رجال أسلموا من مكة ، فأرادوا أن يأتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأبى أولادهم وأزواجهم أن يتركوهم - ليهاجروا .

فلما أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أى بالمدينة - رأوا الناس قد تفقهوا فى الدين ، فهموا أن يعاقبوهم - أى : يعاقبوا أولادهم وأزواجهم - فأنزل الله - تعالى - هذه الآيات .

وفى رواية أخرى عن ابن عباس أن هذه الآيات نزلت بالمدينة فى عوف بن مالك الأشجعى ، شكى إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - جفاء أهله وولده فنزلت .

وصدرت الآيات الكريمة بالنداء بصفة الإيمان ، لحضهم على الاستجابة لما اشتملت عليه هذه الآيات من توجيهات سامية وإرشادات عالية . . . فإن من شأن الإيمان الحق ، أن يحمل صاحبه على طاعة الله - عز وجل - .

و " من " فى قوله { إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ . . } للتبعيض .

والمراد بالعداوة ما يشمل العداوة الدينية والدنيوية ، بأن يكون هؤلاء الأولاد والأزواج يضمرون لآبائهم وأزواجهم العداوة والبغضاء وسوء النية ، يسبب الاختلاف فى الطباع أو فى العقيدة والأخلاق .

والعفو : ترك المعاقبة على الذنب بعد العزم على هذه المعاقبة .

والصفح : الإعراض عن الذنب وإخفاؤه ، وعدم إشاعته .

أى : يا من آمنتم بالله حق الإيمان ، إن بعض أزواجم وأولادكم ، يعادونكم ويخالفونكم فى أمر دينكم . وفى أمور دنياكم ، { فاحذروهم } أى : فاحذروا أن تطيعوهم فى أمر يتعارض مع تعاليم دينكم ، فإنه لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق .

{ وَإِن تَعْفُواْ } - أيها المؤمنون - عنهم ، بأن تتركوا عقابهم بعد التصميم عليه { وَتَصْفَحُواْ } عنهم ، بأن تتركوا عقابهم بدون عزم عليه . . . { وَتَغْفِرُواْ } ما فرط منهم من أخطاء ، بأن تخفوها عليهم .

وقوله : { فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } قائم مقام جواب الشرط . أى : وإن تفعلوا ذلك من العفو والصفح والمغفرة ، يكافئكم الله - تعالى - على ذلك مكافأة حسنة ، فإن الله - تعالى - واسع المغفرة والرحمة لمن يعفون ويصفحون ويغفرون .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ مِنۡ أَزۡوَٰجِكُمۡ وَأَوۡلَٰدِكُمۡ عَدُوّٗا لَّكُمۡ فَٱحۡذَرُوهُمۡۚ وَإِن تَعۡفُواْ وَتَصۡفَحُواْ وَتَغۡفِرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (14)

وفي النهاية يوجه الخطاب إلى المؤمنين يحذرهم فتنة الأزواج والأولاد والأموال ، ويدعوهم إلى تقوى الله ، والسمع والطاعة والإنفاق ، كما يحذرهم شح الأنفس ، ويعدهم على ذلك مضاعفة الرزق والمغفرة والفلاح . ويذكرهم في الختام بعلم الله للحاضر والغائب ، وقدرته وغلبته ، مع خبرته وحكمته :

( يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم ، وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم . إنما أموالكم وأولادكم فتنة ، والله عنده أجر عظيم . فاتقوا الله ما استطعتم ، واسمعوا وأطيعوا ، وأنفقوا خيرا لأنفسكم ، ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون . إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ، ويغفر لكم ، والله شكور حليم . عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم ) . .

وقد ورد عن ابن عباس - رضي الله عنه - في الآية الأولى من هذا السياق وقد سأله عنها رجل فقال : فهؤلاء رجال أسلموا من مكة ، فأرادوا أن يأتوا إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم . فلما أتوا رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] رأوا الناس قد فقهوا في الدين ، فهموا أن يعاقبوهم ، فأنزل الله هذه الآية : ( وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم ) . . وهكذا رواه الترمذي بإسناد آخر وقال : حسن صحيح . وهكذا قال عكرمة مولى ابن عباس .

ولكن النص القرآني أشمل من الحادث الجزئي وأبعد مدى وأطول أمدا . فهذا التحذير من الأزواج والأولاد كئالتحذير الذي في الآية التالية من الأموال والأولاد معا : أنما أموالكم وأولادكم فتنة . . والتنبيه إلى أن من الأزواج والأولاد من يكون عدوا . . إن هذا يشير إلى حقيقة عميقة في الحياة البشرية . ويمس وشائج متشابكة دقيقة في التركيب العاطفي وفي ملابسات الحياة سواء . فالأزواج والأولاد قد يكونون مشغلة وملهاة عن ذكر الله . كما أنهم قد يكونون دافعا للتقصير في تبعات الإيمان اتقاء للمتاعب التي تحيط بهم لو قام المؤمن بواجبه فلقي ما يلقاه المجاهد في سبيل الله ! والمجاهد في سبيل الله يتعرض لخسارة الكثير ، وتضحية الكثير . كما يتعرض هو وأهله للعنت . وقد يحتمل العنت في نفسه ولا يحتمله في زوجه وولده . فيبخل ويجبن ليوفر لهم الأمن والقرار أو المتاع والمال ! فيكونون عدوا له ، لأنهم صدوه عن الخير ، وعوقوه عن تحقيق غاية وجوده الإنساني العليا . كما أنهم قد يقفون له في الطريق يمنعونه من النهوض بواجبه ، اتقاء لما يصيبهم من جرائه ، أو لأنهم قد يكونون في طريق غير طريقه ، ويعجز هو عن المفاصلة بينه وبينهم والتجرد لله . . وهي كذلك صور من العداوة متفاوتة الدرجات . . وهذه وتلك مما يقع في حياة المؤمن في كل آن .

ومن ثم اقتضت هذه الحال المعقدة المتشابكة ، التحذير من الله ، لإثارة اليقظة في قلوب الذين آمنوا ، والحذر من تسلل هذه المشاعر ، وضغط هذه المؤثرات .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ مِنۡ أَزۡوَٰجِكُمۡ وَأَوۡلَٰدِكُمۡ عَدُوّٗا لَّكُمۡ فَٱحۡذَرُوهُمۡۚ وَإِن تَعۡفُواْ وَتَصۡفَحُواْ وَتَغۡفِرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (14)

يقول تعالى مخبرًا عن الأزواج والأولاد : إن منهم من هو عدو الزوج والوالد ، بمعنى : أنه يلتهى به عن العمل الصالح ، كقوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } [ المنافقون : 9 ] ؛ ولهذا قال هاهنا : { فاحذروهم } قال ابن زيد : يعني على دينكم .

وقال مجاهد : { إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ } قال : يحملُ الرجل على قطيعة الرحم أو معصية ربه ، فلا يستطيع الرجل مع حبه إلا أن يطيعه . وقال ابن أبي حاتم ، حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن خلف العسقلاني{[28927]} حدثنا الفريابي ، حدثنا إسرائيل ، حدثنا سمَاك بن حرب ، عن عِكْرمة ، عن ابن عباس - وسأله رجل عن هذه الآية : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ } - قال : فهؤلاء رجال أسلموا من مكة ، فأرادوا أن يأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأبى أزواجهم وأولادهم أن يَدَعوهم ، فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم رأوا الناسَ قد فقهوا في الدين ، فَهَمُّوا أن يعاقبوهم ، فأنزل الله هذه الآية : { وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }

وكذا رواه الترمذي عن محمد بن يحيى ، عن الفريابي - وهو محمد بن يوسف - به{[28928]} وقال حسن صحيح . ورواه ابن جرير والطبراني ، من حديث إسرائيل ، به{[28929]} ورُوي من طريق العوفي ، عن ابن عباس ، نحوه ، وهكذا قال عكرمة مولاه سواء .


[28927]:- (1) في م: "الصيدلاني".
[28928]:- (2) سنن الترمذي برقم (7133).
[28929]:- (3) تفسير الطبري (28/80) والمعجم الكبير للطبراني (11/275).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ مِنۡ أَزۡوَٰجِكُمۡ وَأَوۡلَٰدِكُمۡ عَدُوّٗا لَّكُمۡ فَٱحۡذَرُوهُمۡۚ وَإِن تَعۡفُواْ وَتَصۡفَحُواْ وَتَغۡفِرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (14)

القول في تأويل قوله تعالى : { يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوَاْ إِنّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُواْ وَتَصْفَحُواْ وَتَغْفِرُواْ فَإِنّ اللّهَ غَفُورٌ رّحِيمٌ } .

يقول تعالى ذكره : يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله إن مِنْ أزْوَاجِكُمْ وأوْلادِكُمْ عَدُوّا لكُمْ يَصدّونكم عن سبيل الله ، ويثبطونكم عن طاعة الله فاحْذَرُوهُمْ أن تقبلوا منهم ما يأمرونكم به من ترك طاعة الله .

وذُكر أن هذه الاَية نزلت في قوم كانوا أرادوا الإسلام والهجرة ، فثّبطهم عن ذلك أزواجهم وأولادهم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا يحيى بن آدم وعبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : سأله رجل عن هذه الاَية يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إنّ مِنْ أزْوَاجِكُمْ وأوْلادِكُم عَدُوّا لَكُمْ فاحْذَرُوهُمْ قال : هؤلاء رجال أسلموا ، فأرادوا أن يأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم يأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أتَوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرأوا الناس قد فقهوا في الدين ، هموا أن يعاقبوهم ، فأنزل الله جلّ ثناؤه يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إنّ مِنْ أزْوَاجِكُمْ وأوْلادِكُم . . . الاَية .

حدثنا هناد بن السريّ ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن عكرمة ، في قوله يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إنّ مِنْ أزْوَاجِكُمْ وأوْلادِكُم عَدُوّا لَكُمْ فاحْذَرُوهُمْ قال : كان الرجل يريد أن يأتي النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فيقول له أهله : أين تذهب وتدعنا ؟ قال : وإذا أسلم وفَقِه ، قال : لأرجعنّ إلى الذين كانوا ينهون عن هذا الأمر فلأفعلنّ ولأفعلنّ ، فأنزل الله جلّ ثناؤه : وَإنْ تَعْفُوا وتَصْفَحُوا وتَغْفِرُوا فإن اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إنّ مِنْ أزْوَاجِكُمْ وأوْلادِكُم عَدُوّا لَكُمْ فاحْذَرُوهُمْ كان الرجل إذا أراد أن يهاجر من مكة إلى المدينة تمنعه زوجته وولده ، ولم يألُوا يثبطوه عن ذلك ، فقال الله : إنهم عدوّ لكم فاحذروهم واسمعوا وأطيعوا ، وامضُوا لشأنكم ، فكان الرجل بعد ذلك إذا مُنِع وثُبط مرّ بأهله وأقسم ، والقسم يمين ليفعلنّ وليعاقبنّ أهله في ذلك ، فقال الله جلّ ثناؤه وَإنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وتَغْفِرُوا فإن اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : ثني محمد بن إسحاق ، عن بعض أصحابه ، عن عطاء بن يسار قال : نزلت سورة التغابن كلها بمكة ، إلا هؤلاء الاَيات يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إنّ مِنْ أزْوَاجِكُمْ وأوْلادِكُم عَدُوّا لَكُمْ فاحْذَرُوهُمْ نزلت في عوف بن مالك الأشجعيّ ، كان ذا أهل وولد ، فكان إذا أراد الغزو بكوا إليه ورقّقوه ، فقالوا : إلى من تَدعنا ؟ فيرقّ ويقيم ، فنزلت : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إنّ مِنْ أزْوَاجِكُمْ وأوْلادِكُم عَدُوّا لَكُمْ فاحْذَرُوهُمْ . الاَية كلها بالمدينة في عوف بن مالك وبقية الاَيات إلى آخر السورة بالمدينة .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله إنّ مِنْ أزْوَاجِكُمْ وأوْلادِكُم عَدُوّا لَكُمْ فاحْذَرُوهُمْ قال : إنهما يحملانه على قطيعة رحمه ، وعلى معصية ربه ، فلا يستطيع مع حبه إلا أن يقطعه .

حدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله ، إلا أنه قال : فلا يستطيع مع حبه إلا أن يطيعه .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إنّ مِنْ أزْوَاجِكُمْ وأوْلادِكُم عَدُوّا لَكُمْ فاحْذَرُوهُمْ . . . الاَية ، قال : منهم من لا يأمر بطاعة الله ، ولا ينهى عن معصيته ، وكانوا يبطّئون عن الهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الجهاد .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله إنّ مِنْ أزْوَاجِكُمْ وأوْلادِكُم عَدُوّا لَكُمْ فاحْذَرُوهُمْ قال : ينهون عن الإسلام ، ويُبَطّئُون عنه ، وهم من الكفار فاحذروهم .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إنّ مِنْ أزْوَاجِكُمْ وأوْلادِكُم عَدُوّا لَكُمْ فاحْذَرُوهُمْ . . . الاَية ، قال : هذا في أناس من قبائل العرب كان يسلم الرجل أو النفر من الحيّ ، فيخرجون من عشائرهم ويدعون أزواجهم وأولادهم وآباءهم عامدين إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فتقوم عشائرهم وأزواجهم وأولادهم وآباؤهم ، فيناشدونهم الله أن لا يفارقوهم ، ولا يؤثروا عليهم غيرهم ، فمنهم من يَرِقّ ويرجع إليهم ، ومنهم من يمضي حتى يلحق بنبيّ الله صلى الله عليه وسلم .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن ناجية وزيد بن حباب ، قالا : حدثنا يحيى بن واضح ، جميعا عن الحسين بن واقد ، قال : ثني عبد الله بن بريدة ، عن أبيه ، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب ، فجاء الحسن والحسين رضي الله عنهما عليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان ، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذهما فرفعهما فوضعهما في حِجْره ثم قال : «صَدَقَ اللّهُ وَرَسُولُهُ : إنّما أمْوَالُكُمْ وأوْلادُكُمْ فِتْنَةً رأيْتُ هَذَيْنِ فَلَمْ أصْبِرْ » ثم أخذ في خطبته اللفظ لأبي كريب عن زيد .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : إنّ مِنْ أزْوَاجِكُمْ وأوْلادِكُمْ عَدُوّا لَكُمْ قال : يقول : عدوّا لكم في دينكم ، فاحذروهم على دينكم .

حدثني محمد بن عمرو بن عليّ المقدميّ ، قال : حدثنا أشعث بن عبد الله ، قال : حدثنا شعبة ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، في قوله : إنّ مِنْ أزْوَاجِكُمْ وأوْلادِكُمْ عَدُوّا لَكُمْ فاحْذَرُوهُمْ قال : كان الرجل يسلم ، فيلومه أهله وبنوه ، فنزلت : إنّ مِنْ أزْوَاجِكُمْ وأوْلادِكُمْ عَدُوّا لَكُمْ .

وقوله : وَإنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا يقول : وإن تعفوا أيها المؤمنون عما سلف منهم من صدّهم إياكم عن الإسلام والهجرة وتصفحوا لهم عن عقوبتكم إياهم على ذلك ، وتغفروا لهم غير ذلك من الذنوب فإنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ لكم لمن تاب من عباده ، من ذنوبكم رحيمٌ بكم أن يعاقبكم عليها من بعد توبتكم منها .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ مِنۡ أَزۡوَٰجِكُمۡ وَأَوۡلَٰدِكُمۡ عَدُوّٗا لَّكُمۡ فَٱحۡذَرُوهُمۡۚ وَإِن تَعۡفُواْ وَتَصۡفَحُواْ وَتَغۡفِرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (14)

يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم يشغلكم عن طاعة الله أو يخاصمكم في أمر الدين أو الدنيا فاحذروهم ولا تأمنوا غوائلهم وإن تعفوا عن ذنوبهم بترك المعاقبة وتصفحوا بالإعراض وترك التثريب عليها وتغفروا بإخفائها وتمهيد معذرتهم فيها فإن الله غفور رحيم يعاملكم بمثل ما عملتم ويتفضل عليكم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ مِنۡ أَزۡوَٰجِكُمۡ وَأَوۡلَٰدِكُمۡ عَدُوّٗا لَّكُمۡ فَٱحۡذَرُوهُمۡۚ وَإِن تَعۡفُواْ وَتَصۡفَحُواْ وَتَغۡفِرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (14)

وقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم . . . } إلى آخر السورة قرآن مدني ، اختلف الناس في سببه ، فقال عطاء بن أبي رباح : إنه نزل في عوف بن مالك الأشجعي ، وذلك أنه أراد غزواً مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فاجتمع أهله وأولاده فثبطوه وتشكوا إليه فراقه ، فرق ولم يغز ، ثم إنه ندم وهم بمعاقبتهم ، فنزلت الآية بسببه محذرة من الأزواج والأولاد وفتنتهم ، ثم صرفه تعالى عن معاقبتهم بقوله : { وإن تعفوا وتصفحوا } وقال بعض المفسرين سبب الآية : إن قوماً آمنوا بالله وثبطهم أزواجهم وأولادهم عن الهجرة فلم يهاجروا إلا بعد مدة ، فوجدوا غيرهم قد تفقه في الدين ، فندموا وأسفوا وهموا بمعاقبة أزواجهم وأولادهم .