البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ مِنۡ أَزۡوَٰجِكُمۡ وَأَوۡلَٰدِكُمۡ عَدُوّٗا لَّكُمۡ فَٱحۡذَرُوهُمۡۚ وَإِن تَعۡفُواْ وَتَصۡفَحُواْ وَتَغۡفِرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (14)

وحذر مما يلحق الرجل من امرأته وولده بسبب ما يصدر من بعضهم من العداوة ، ولا أعدى على الرجل من زوجته وولده إذا كانا عدوين ، وذلك في الدنيا والآخرة .

أما في الدنيا فبإذهاب ماله وعرضه ، وأما في الآخرة فبما يسعى في اكتسابه من الحرام لهما ، وبما يكسبانه منه بسبب جاهه .

وكم من امرأة قتلت زوجها وجذمت وأفسدت عقله ، وكم من ولد قتل أباه .

وفي التواريخ وفيما شاهدناه من ذلك كثير .

وعن عطاء بن أبي رباح : أن عوف بن مالك الأشجعي أراد الغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فاجتمع أهله وولده ، فثبطوه وشكوا إليه فراقه ، فرق ولم يغز ؛ إنه ندم بمعاقبتهم ، فنزلت : { يا أيها الذين آمنوا } الآية .

وقيل : آمن قوم بالله ، وثبطهم أزواجهم وأولادهم عن الهجرة ، ولم يهاجروا إلا بعد مدة ، فوجدوا غيرهم قد تفقه في الدين ، فندموا وأسفوا وهموا بمعاقبة أزواجهم وأولادهم ، فنزلت .

وقيل : قالوا لهم : أين تذهبون وتدعون بلدكم وعشيرتكم وأموالكم ؟ فغضبوا عليهم وقالوا : لئن جمعنا الله في دار الهجرة لم نصبكم بخير .

فلما هاجروا ، منعوهم الخير ، فحبوا أن يعفوا عنهم ويردوا إليهم البر والصلة .

ومن في { من أزواجكم وأولادكم } للتبعيض ، وقد توجد زوجة تسر زوجها وتعينه على مقاصده في دينه ودنياه ، وكذلك الولد .

وقال الشعب العبسي يمدح ولده رباطاً :

إذا كان أولاد الرجال حزازة *** فأنت الحلال الحلو والبارد العذب

لنا جانب منه دميث وجانب *** إذا رامه الأعداء مركبه صعب

وتأخذه عند المكارم هزة *** كما اهتز تحت البارح الغصن الرطب

وقال قرمان بن الأعرف في ابنه منازل ، وكان عاقاً له ، قصيدة فيها بعض طول منها :

وربيته حتى إذا ما تركته *** أخا القوم واستغنى عن المسح شاربه

فلما رآني أحسب الشخص أشخصاً *** بعيداً وذا الشخص البعيد أقاربه

تعمد حقي ظالماً ولوى يدي *** لوى يده الله الذي هو غالبه