فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ مِنۡ أَزۡوَٰجِكُمۡ وَأَوۡلَٰدِكُمۡ عَدُوّٗا لَّكُمۡ فَٱحۡذَرُوهُمۡۚ وَإِن تَعۡفُواْ وَتَصۡفَحُواْ وَتَغۡفِرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (14)

{ يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم ( 14 ) } .

ينادي الله تعالى عباده المؤمنين يعلمهم أن بعض الأزواج وبعض الأولاد قد يفعلون فعل العدو ، فرب زوج خاصمت زوجها ففجرت في خصومته ، ورب رجل آذى امرأته وأهلكها ، وقد يعق الأولاد ويخونون آباءهم ، وربما كانت عداوتهم تحريض وليهم من زوج أو أب على المعاصي والردى ، أو تعويقه وصده عن البر والهدى ، فلنحذر هؤلاء أن يزينوا لنا سوء العمل ، ولنحرص على أن نترك عقوبتهم على آثامهم إذا تابوا أو تسامحنا فيما يقبل المسامحة ، ونصفح عنهم فنعرض عن تعبيرهم ، ونغفر فنستر أوزارهم حتى لا يفضحوا بها أو يقيموا عليها- إذا فعلنا ما عرضته الآية الكريمة من عفو وصفح ومغفرة فإن ربنا يجازينا من جنس أعمالنا ، ويتفضل علينا ، إنه يغفر الذنوب جميعا ، ورحمته وسعت كل شيء .

[ وقال غير واحد : إن عداوتهم من حيث إنهم يحولون بينهم وبين الطاعات والأمور النافعة لهم في آخرتهم ، وقد يحملونهم على السعي في الاكتساب الحرام وارتكاب الآثام لمنفعة أنفسهم ، كما روي عنه صلى الله عليه وسلم : ( يأتي زمان على أمتي يكون فيه هلاك الرجل على يد زوجه وولده يعيرانه بالفقر فيركب مراكب السوء فيهلك ) ]{[7050]} .

أخرج الترمذي والحاكم وصححاه ، وابن جرير ، وغيرهم عن ابن عباس وسأله رجل عن هذه الآية- قال : هؤلاء رجال أسلموا من أهل مكة وأرادوا أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم ، فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم رأوا الناس قد فقهوا في الدين هموا أن يعاقبوهم ، فأنزل الله تعالى الآية .

وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الشيطان قعد لابن آدم في طريق الإيمان فقال له : أتؤمن وتذر دينك ودين آبائك ؟ فخالفه فآمن ، ثم قعد له على طريق الهجرة فقال له : أتهاجر وتترك مالك وأهلك ؟ فخالفه فهاجر ، ثم قعد على طريق الجهاد فقال له : أتجاهد فتقتل نفسك فتنكح نساؤك ويقسم مالك ؟ فخالفه فجاهد فقتل فحق على الله أن يدخله الجنة ) .

[ كما أن الرجل يكون له ولده{[7051]} وزوجه عدوا ، كذلك المرأة يكون لها زوجها وولدها عدوا بهذا المعنى بعينه ، وعموم قوله : { من أزواجكم } يدخل فيه الذكر والأنثى لدخولهما في كل آية . . . والله أعلم . . . والآية عامة في كل معصية يرتكبها الإنسان بسبب الأهل والولد . وخصوص السبب لا يمنع عموم الحكم ] }{[7052]} .


[7050]:- ما بين العارضتين مما أورد الألوسي.
[7051]:- أعم من أن يكون ابنا أو بنتا.
[7052]:- ما بين العارضتين مما أورده صاحب الجامع لأحكام القرآن.