فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ مِنۡ أَزۡوَٰجِكُمۡ وَأَوۡلَٰدِكُمۡ عَدُوّٗا لَّكُمۡ فَٱحۡذَرُوهُمۡۚ وَإِن تَعۡفُواْ وَتَصۡفَحُواْ وَتَغۡفِرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (14)

قوله : { يأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ إِنَّ مِنْ أزواجكم وأولادكم عَدُوّاً لَّكُمْ } يعني أنهم يعادونكم ويشغلونكم عن الخير ، ويدخل في ذلك سبب النزول دخولاً أوّلياً ، وهو أن رجالاً من مكة أسلموا وأرادوا أن يهاجروا فلم يدعهم أزواجهم ولا أولادهم ، فأمر الله سبحانه بأن يحذروهم فلا يطيعوهم في شيء مما يريدونه منهم مما فيه مخالفة لما يريده الله ، والضمير في { فاحذروهم } يعود إلى العدوّ ، أو إلى الأزواج والأولاد لكن لا على العموم ، بل إلى المتصفين بالعداوة منهم ، وإنما جاز جمع الضمير على الوجه الأوّل ، لأن العدوّ يطلق على الواحد والاثنين والجماعة . ثم أرشدهم الله إلى التجاوز فقال : { وَإِن تَعْفُواْ وَتَصْفَحُواْ وَتَغْفِرُواْ } أي تعفوا عن ذنوبهم التي ارتكبوها وتتركوا التثريب عليها وتستروها { فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } بالغ المغفرة والرحمة لكم ولهم ، قيل : كان الرجل الذي ثبطه أزواجه وأولاده عن الهجرة إذا رأى الناس قد سبقوه إليها وفقهوا في الدين همّ أن يعاقب أزواجه وأولاده ، فأنزل الله { وَأَن تَعْفُواْ } الآية ، والآية تعمّ وإن كان السبب خاصاً كما عرفناك غير مرة . قال مجاهد : والله ما عادوهم في الدنيا ولكن حملتهم مودتهم على أن اتخذوا لهم الحرام فأعطوهم إياه .

/خ18