وقوله : { يا أيها الذين آمَنُواْ إِنَّ مِنْ أزواجكم } إلى آخر السورةِ قرآنٌ مدنيٌّ واخْتُلِفَ في سَبَبهِ ، فقال عطاء بن أبي ربَاح : إنَّه نَزَلَ في عَوْفِ بن مَالكٍ الأشّجَعِيِّ ؛ وذلك أَنَّهُ أراد غَزْواً مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، فاجْتَمَعَ أَهْلُهُ وأولاده ، وتَشَكَّوْا إلَيْه فِرَاقَهُ ، فَرَقَّ لهُمْ فَثَبَّطُوهُ ولم يَغْزُ ، ثم إنّه نَدِمَ وهَمَّ بمعاقبتِهم ، فنزلتِ الآية بسببه محذِّرةً مِن الأَزْوَاجِ والأولاد وفتنتِهم . ثم صَرَفَ تَعالَى عَنْ معاقبتهِم بقوله : { وَإِن تَعْفُواْ وَتَصْفَحُواْ } وقال بعضُ المفسرينَ : سببُ الآيةِ أنَّ قوماً آمنُوا وثَبَّطَهُمْ أزْوَاجُهم وأولادُهم عَنْ الهِجرةِ فَلَمْ يُهَاجِروا إلا بَعْدَ مدةٍ ، فَوَجَدُوا غيرَهم قد تَفَقَّه في الدين ، فَنَدِمُوا وهَمُّوا بمعاقبةِ أزواجِهِم وأولادِهم ، ثم أَخْبَرَ تعالى أن الأمْوَالَ والأولادَ فتنةٌ تَشْغَلُ المرءَ عَنْ مَرَاشِدِهِ ، وتَحْمِلُه مِنَ الرَّغْبَةِ في الدنيا عَلَى مَا لاَ يَحْمَدُه في آخرتِه ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : «الوَلَدُ مَبْخَلَةٌ كجْبَنَةٌ » ، وخَرَّجَ أبو داود حديثاً في مصنفه «أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم كانَ يَخْطُبُ يَوْمَ الجمعةِ عَلى المِنْبَرِ حَتَّى جَاءَ الحَسَنُ والحسينُ عليهما قميصان أحمرانَ يجرانِهما ، يعْثُرَانِ ويَقُومَانِ ، فَنَزَلَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عَنِ المنبرِ حَتَّى أخَذَهُمَا ، وصَعِدَ بِهِمَا ، ثم قَرَأَ : { إِنَّمَا أموالكم وأولادكم فِتْنَةٌ } الآية ، وقَال : إني رأيتُ هذينِ فَلَمْ أصْبِرْ ، ثم أخَذَ في خُطْبَتِهِ » ، قال ( ع ) : وهذهِ ونحوُها هِي فتنةُ الفُضَلاَءِ ، فأما فتنةُ الجُهَّالِ الفَسَقَةِ ؛ فَمُؤَدِّيَةٌ إلى كلِ فعلٍ مُهْلِكٍ ، وفي صَحِيحَي البخاري ومسلم ، عن أبي ذرٍ قال : انتهيتُ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُول : «هم الأخْسَرُونَ ، وَرَبِّ الكَعْبَةِ ، هُمُ الأخْسَرُونَ ، وَرَبِّ الكَعْبَةِ ، قُلْتُ : مَا شَأْنِي ؟ أيرى فيَّ شَيْئاً ؟ فَجَلَسْتُ وَهُوَ يَقُولُ ؛ فَمَا استطعت أنْ أسْكُتَ وتَغَشَّانيَ مَا شَاء اللَّهُ فَقُلْتُ : مَنْ هُمْ بأبي أنتَ وأمي يا رسولِ اللَّهِ ؟ قال : هُمُ الأكْثَرُونَ مَالاً إلاَّ مَنْ قَالَ هَكَذَا وهَكَذَا وَهَكَذَا » وفي رواية : «إن الأَكْثَرينَ هم الأقَلُّونَ يَوْمَ القِيَامَةِ إلاَّ مَنْ قَال بِالمَالِ ، هَكَذَا وهَكَذَا ، وأشَارَ ابنُ شِهَابٍ بَيْنَ يَدَيْهِ وعن يمينه وعَنْ شماله ، وقَلِيلٌ مَا هُمْ » انتهى . واللفظ للبخاريّ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.