قوله تعالى : { عند سدرة المنتهى } وعلى قول ابن عباس معنى :{ نزلة أخرى } هو أنه كانت للنبي صلى الله عليه وسلم عرجات في تلك الليلة لمسألة التخفيف من أعداد الصلوات ، فيكون لكل عرجة نزلة ، فرأى ربه في بعضها ، وروينا عنه : أنه رأى ربه بفؤاده مرتين . وعنه : أنه رأى بعينه ، وقوله : ( عند سدرة المنتهى ) روينا عن عبد الله ابن مسعود قال : لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سدرة المنتهى وهي في السماء السابعة وإليها ينتهي ما يعرج به من الأرض فيقبض منها ، وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها ، قال :{ إذ يغشى السدرة ما يغشى } ، قال : فراش من ذهب . وروينا في حديث المعراج : ثم صعد بي إلى السماء السابعة فإذا أنا بإبراهيم عليه السلام فسلمت عليه ، ثم رفعت إلي سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجر ، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة ، والسدرة شجر النبق ، وقيل لها : سدرة المنتهى لأنه إليها ينتهي علم الخلق . قال هلال بن يسار : سأل ابن عباس كعباً عن سدرة المنتهى وأنا حاضر ، فقال كعب : إنها سدرة في أصل العرش على رؤوس حملة العرش وإليها ينتهي علم الخلائق ، وما خلفها غيب لا يعلمه إلا الله . أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، حدثنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرني ابن فنجويه حدثنا المسوحي ، حدثنا عبد الله بن يعيش ، حدثنا يونس بن بكير ، حدثنا محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن جدته أسماء بنت أبي بكر قالت : " سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكر سدرة المنتهى ، قال : " يسير الراكب في ظل الغصن منها مائة عام ويستظل في الغصن منها مائة ألف راكب ، فيها فراش من ذهب ، كأن ثمرها القلال " . وقال مقاتل : هي شجرة تحمل الحلي والحلل والثمار من جميع الألوان ، لو أن ورقة وضعت منها في الأرض لأضاءت لأهل الأرض ، وهي طوبى التي ذكرها الله تعالى في سورة الرعد .
{ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى } وهي شجرة عظيمة جدا ، فوق السماء السابعة ، سميت سدرة المنتهى ، لأنه ينتهي إليها ما يعرج من الأرض ، وينزل إليها ما ينزل من الله ، من الوحي وغيره ، أو لانتهاءعلم الخلق{[894]} إليها أي : لكونها فوق السماوات والأرض ، فهي المنتهى في علوها{[895]} أو لغير ذلك ، والله أعلم .
فرأى محمد صلى الله عليه وسلم جبريل في ذلك المكان ، الذي هو محل الأرواح العلوية الزاكية الجميلة ، التي لا يقربها شيطان ولا غيره من الأرواح الخبيثة .
وقوله : { عِندَ سِدْرَةِ المنتهى } بيان للمكان الذى تمت عنده الرؤية الثانية .
والسدرة فى الأصل : تطلق على شجرة النَّبِق ، وهو ثمر معروف فى بلاد العرب .
والمنتهى : اسم مكان ، أو مصدر ميمى بمعنى الانتهاء . وإضافة السدرة إليه ، من باب إضافة الشىء إلى مكانه ، كما فى قولهم : أشجار البستان . أو من إضافة المحل إلى الحال ، كما فى قولك : كتاب الفقه أو النحو .
وسمى هذا المكان بسدرة المنتهى ، لانتهاء علوم الخلائق عنده ، وما وراءه لا يعلمه إلا الله - تعالى - .
أخرج الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود قال : لما أسرى برسول الله - صلى الله عليه وسلم - انتهى به إلى سدرة المنتهى ، وهى فى السماء السابعة وإليها ينتهى ما يعرج من الأرض فيقبض منها . وإليها ينتهى ما يهبط من فوقها فيقبض منها .
وقوله : عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى يقول تعالى ذكره : ولقد رآه عند سدرة المنتهى ، فعند من صلة قوله : رآهُ والسدرة : شجرة النبق . وقيل لها سدرة المنتهى في قول بعض أهل العلم من أهل التأويل ، لأنه إليها ينتهي علم كلّ عالم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حُميد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن حفص بن حميد ، عن شمر ، قال : جاء ابن عباس إلى كعب الأحبار ، فقال له : حدثني عن قول الله : عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى عِنْدَها جَنّةُ المَأْوَى فقال كعب : إنها سدرة في أصل العرش ، إليها ينتهي علم كلّ عالم ، مَلك مقرّب ، أو نبيّ مرسل ، ما خلفها غيب ، لا يعلمه إلا الله .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال أخبرني جرير بن حازم ، عن الأعمش ، عن شمر بن عطية ، عن هلال بن يساف ، قال : سأل ابن عباس كعبا ، عن سدرة المنتهى وأنا حاضر ، فقال كعب : إنها سدرة على رؤوس حملة العرش ، وإليها ينتهي علم الخلائق ، ثم ليس لأحد وراءها علم ، ولذلك سميت سدرة المنتهى ، لانتهاء العلم إليها .
وقال آخرون : قيل لها سدرة المنتهى ، لأنها ينتهي ما يهبط من فوقها ، ويصعد من تحتها من أمر الله إليها . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمارة ، قال : حدثنا سهل بن عامر ، قال : حدثنا مالك ، عن الزّبير ، عن عديّ ، عن طلحة اليامي ، عن مرّة ، عن عبد الله ، قال : لما أُسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى به إلى سدرة المنتهى وهي في السماء السادسة ، إليها ينتهي من يعرج من الأرض أو من تحتها ، فيقبض منها ، وإليها ينتهي ما يهبط من فوقها ، فيقبض فيها .
حدثني جعفر بن محمد المروزي ، قال : حدثنا يعلى ، عن الأجلح ، قال : قلت للضحاك : لم تسمى سدرة المنتهى ؟ قال : لأنه ينتهي إليها كلّ شيء من أمر الله لا يعدوها .
وقال آخرون : قيل لها : سِدْرة المنتهى ، لأنه ينتهي إليها كلّ من كان على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومِنهاجه . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن أبي جعفر ، عن الربيع عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى ، قال : إليها ينتهي كلّ أحد ، خلا على سنة أحمد ، فلذلك سميت المنتهى .
حدثني عليّ بن سهل ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا أبو جعفر الرازيّ ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية الرياحي ، عن أبي هُريرة ، أو غيره «شكّ أبو جعفر الرازيّ » قال : لما أُسري بالنبيّ صلى الله عليه وسلم ، انتهى إلى السدرة ، فقيل له : هذه السدرة ينتهي إليها كلّ أحد خلا من أمتك على سنتك .
والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن معنى المنتهى الانتهاء ، فكأنه قيل : عند سدرة الانتهاء . وجائز أن يكون قيل لها سدرة المنتهى : لانتهاء علم كلّ عالم من الخلق إليها ، كما قال كعب . وجائز أن يكون قيل ذلك لها ، لانتهاء ما يصعد من تحتها ، وينزل من فوقها إليها ، كما رُوي عن عبد الله . وجائز أن يكون قيل ذلك كذلك لانتهاء كلّ من خلا من الناس على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها . وجائز أن يكون قيل لها ذلك لجميع ذلك ، ولا خبر يقطع العذر بأنه قيل ذلك لها لبعض ذلك دون بعض ، فلا قول فيه أصحّ من القول الذي قال ربنا جلّ جلاله ، وهو أنها سدرة المنتهى .
وبالذي قلنا في أنها شجرة النبق تتابعت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال أهل العلم . ذكر ما في ذلك من الاَثار ، وقول أهل العلم :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن حميد ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «انْتَهَيْتُ إلى السّدْرَةِ فإذَا نَبْقُها مِثْلُ الجِرَارِ ، وَإذَا وَرَقُها مِثْل آذَانِ الفِيلَةِ فَلَمّا غَشِيَها مِنْ أمْرِ اللّهِ ما غَشِيَها ، تَحَوّلَتْ ياقُوتا وَزُمُرّدا وَنَحْوَ ذلكَ » .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عَدِيّ ، عن سعيد عن قتادة ، عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة رجل من قومه قال : قال نبيّ الله صلى الله عليه وسلم : «لَمّا انْتَهَيْتُ إلى السّماءِ السّابِعَةِ أتَيْتُ عَلى إبْرَاهِيمَ فَقُلْتُ : يا جِبْرِيلُ مَنْ هَذَا ؟ قال : هَذَا أبُوكَ إبْرَاهِيمُ ، فَسَلّمْتُ عَلَيْهِ ، فَقالَ : مَرْحَبا بالابْنِ الصّالِحِ والنّبِيّ الصّالِح ، قال : ثُمّ رُفِعَتْ لي سِدْرَةُ المُنْتَهَى فحدّث نبيّ الله أنّ نبقها مثل قلال هجر ، وأن ورقها مثل آذان الفِيلة » .
وحدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا خالد بن الحارث ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة رجل من قومه ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا معاذ بن هشام ، قال : ثني أبي ، عن قتادة ، قال : حدثنا أنس بن مالك ، عن مالك بن صعصعة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ، فذكر نحوه .
حدثنا أحمد بن أبي سُرَيج ، قال : حدثنا الفضل بن عنبسة ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت البُنانيّ ، عن أنس بن مالك ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : «رَكِبْتُ البُرَاقَ ثُمّ ذُهِبَ بِي إلى سِدْرَةِ المُنْتَهَى ، فإذَا وَرقُها كآذَانِ الفِيَلَةِ ، وَإَذَا ثَمَرُها كالقِلالِ » قال : «فَلَمّا غَشِيَها مِنْ أمْرِ اللّهِ ما غَشِيَها تَغَيّرَتْ ، فَمَا أحَدٌ يَسْتَطِيعُ أنْ يَصِفَها مِنْ حُسْنِها » ، قال : «فأَوْحَى اللّهُ إليّ ما أوْحَى » .
حدثنا أحمد بن أبي سريج ، قال : حدثنا أبو النضر ، قال حدثنا سليمان بن المُغيرة ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «عَرَجَ بِي المَلَكُ » قال : «ثُمّ انْتَهَيْتُ إلى السّدْرَةِ وأنا أعْرِفُ أنها سِدْرَةٌ ، أعْرِفُ وَرَقَها وَثَمَرها » قال : «فَلَمّا غَشِيَها مِنْ أمْرِ اللّهِ ما غَشِيَها تَحَوّلَتْ حتى ما يسْتَطِيعُ أحَدٌ أنْ يَصِفَها » .
حدثنا محمد بن سنان القزّاز ، قال : حدثنا يونس بن إسماعيل ، قال : حدثنا سليمان ، عن ثابت ، عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله ، إلا أنه قال : «حتى ما أسْتَطيعُ أنْ أصِفَها » .
حدثنا عليّ بن سهل ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا أبو جعفر الرازيّ ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية الرياحي ، عن أبي هريرة أو غيره «شكّ أبو جعفر الرازيّ » قال : لما أُسريَ بالنبيّ صلى الله عليه وسلم انتهى إلى السدرة ، فقيل له : هذه السدرة ينتهي إليها كلّ أحد خلا من أمتك على سنتك ، فإذا هي شجرة يخرج من أصلها أنهار من ماء غير آسن ، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ، وأنهار من خمر لذّة للشاربين ، وأنهار من عسل مصفى ، وهي شجرة يسير الراكب في ظلها سبعين عاما لا يقطعها ، والورقة منها تغطي الأمة كلها .
وحدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن سلمة بن كهيل الحضرميّ ، عن الحسن العرنيّ ، أراه عن الهذيل بن شرحبيل ، عن ابن مسعود سدْرَةِ المُنْتَهَى قال : من صُبْر الجنة عليها أو عليه فضول السندس والإستبرق ، أو جعل عليها فضول .
وحدثنا به ابن حُمَيد مرّة أخرى ، عن مهران ، فقال عن الحسن العُرنيّ ، عن الهذيل ، عن ابن مسعود «ولم يشكّ فيه » ، وزاد فيه : قال صبر الجنة : يعني وسطها وقال أيضا : عليها فضول السندس والإستبرق .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن سلمة بن كهيل ، عن الحسن العرني ، عن الهذيل بن شرحبيل ، عن عبد الله بن مسعود في قوله : سِدْرَةِ المُنْتَهَى قال : صبر الجنة عليها السندس والإستبرق .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق ، عن يحيى بن عباد بن عبد الله ، عن أبيه ، عن أسماء بنت أبي بكر ، قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكر سدرة المنتهى ، فقال : «يَسِيرُ فِي ظِلّ الْفَنَنِ مِنْها مِئَةُ رَاكِبٍ » ، أو قال : «يَسْتَظِلّ فِي الفَننِ مِنْها مِئَةُ رَاكِبٍ » ، «شكّ يحيى » «فِيها فَرَاشُ الذّهَبِ ، كأنّ ثَمَرها القِلالُ » .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن سدرة المنتهى ، قال : السدرة : شجرة يسير الراكب في ظلها مئة عام لا يقطعها ، وإن ورقة منها غَشّت الأمّةَ كلها .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى : أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «رُفِعَتْ لي سِدْرَةٌ مُنْتَهاها فِي السّماءِ السّابِعَةِ ، نَبْقُها مِثْلُ قِلالِ هَجَرٍ ، وَوَرَقُها مِثْلُ آذانِ الفِيلَةِ ، يَخْرُجُ مِنْ ساقِها نَهْرَانِ ظاهِران ، وَنهْرانِ باطِنانِ » ، قال : «قُلْتُ لِجْبِريلَ ما هَذَان النّهْرَانِ أرْوَاحٌ » قال : أمّا النّهْرَانِ الباطِنانِ ، فَفِي الجَنّة ، وأمّا النّهْرَانِ الظّاهِرَانِ : فالنّيلُ والفُراتُ .
و : { سدرة المنتهى } هي شجرة نبق{[10694]} ، قال كعب : هي في السماء السابعة ، وروى ذلك مالك بن صعصعة عن النبي صلى الله عليه وسلم{[10695]} . وقال ابن مسعود : في السماء السادسة . وقيل لها : { سدرة المنتهى } لأنها إليها ينتهي علم كل عالم ، ولا يعلم ما وراءها صعداً إلا الله تعالى . وقيل سميت بذلك لأنها إليها ينتهي من مات على سنة النبي صلى الله عليه وسلم .
قال القاضي أبو محمد : هم المؤمنون حقاً من كل جيل .
وقيل سميت بذلك ، لأن ما نزل من أمر الله فعندها يتلقى ولا يتجاوزها ملائكة العلو ، وما صعد من الأرض فعندها يتلقى ولا يتجاوزها ملائكة السفل . وروي عن النبي عليه السلام أن الأمة من الأمم تستظل بظل الفنن منها{[10696]} ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «رفعت لي { سدرة المنتهى } ، فإذا نبقها مثل قلال هجر ، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة »{[10697]} .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى "يقول تعالى ذكره: ولقد رآه عند سدرة المنتهى، فعند من صلة قوله: رآهُ والسدرة: شجرة النبق. وقيل لها سدرة المنتهى في قول بعض أهل العلم من أهل التأويل، لأنه إليها ينتهي علم كلّ عالم...
وقال آخرون: قيل لها سدرة المنتهى، لأنها ينتهي ما يهبط من فوقها، ويصعد من تحتها من أمر الله إليها...
وقال آخرون: قيل لها: سِدْرة المنتهى، لأنه ينتهي إليها كلّ من كان على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومِنهاجه...
والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن معنى المنتهى الانتهاء، فكأنه قيل: عند سدرة الانتهاء. وجائز أن يكون قيل لها سدرة المنتهى: لانتهاء علم كلّ عالم من الخلق إليها، كما قال كعب. وجائز أن يكون قيل ذلك لها، لانتهاء ما يصعد من تحتها، وينزل من فوقها إليها، كما رُوي عن عبد الله. وجائز أن يكون قيل ذلك كذلك لانتهاء كلّ من خلا من الناس على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها. وجائز أن يكون قيل لها ذلك لجميع ذلك، ولا خبر يقطع العذر بأنه قيل ذلك لها لبعض ذلك دون بعض، فلا قول فيه أصحّ من القول الذي قال ربنا جلّ جلاله، وهو أنها سدرة المنتهى.
وبالذي قلنا في أنها شجرة النبق تتابعت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال أهل العلم. ذكر ما في ذلك من الاَثار، وقول أهل العلم:
حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن أبي عديّ، عن حميد، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انْتَهَيْتُ إلى السّدْرَةِ فإذَا نَبْقُها مِثْلُ الجِرَارِ، وَإذَا وَرَقُها مِثْل آذَانِ الفِيلَةِ فَلَمّا غَشِيَها مِنْ أمْرِ اللّهِ ما غَشِيَها، تَحَوّلَتْ ياقُوتا وَزُمُرّدا وَنَحْوَ ذلكَ».
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
جائز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى جبرائيل عليه السلام أولا عند سدرة المنتهى من الأرض إما برفع الحُجُب عنه وإما بزيادة قوة وضِعَت في بصره، ثم رآه مرة أخرى هنالك أيضا بعد ما رُفع صلى الله عليه وسلم إلى سِدرة المنتهى، والله أعلم...
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي 685 هـ :
ولعلها شبهت بالسدرة وهي شجرة النبق لأنهم يجتمعون في ظلها.
التفسير القيم لابن القيم 751 هـ :
{ولقد رآه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى}
والمرئي عند السدرة هو جبريل قطعا.
السادس: أن مفسر الضمير في قوله: {ولقد رآه} وقوله: {ثم دنى فتدلى} وقوله: {فاستوى} وقوله: {وهو بالأفق الأعلى} واحدة. فلا يجوز أن يخالف بين المفسر والمفَسَّر من غير دليل.
السابع: أنه سبحانه ذكر في هذه السورة الرسولين الكريمين: الملكي، والبشري. ونزه البشرى عن الضلال والغواية، ونزه الملكي عن أن يكون شيطانا قبيحا ضعيفا، بل هو قوي كريم حسن الخَلْق. وهذا نظير المذكور في سورة التكوير سواء. الثامن: أنه أخبر هناك أنه رآه بالأفق المبين، وهاهنا: أنه رآه بالأفق الأعلى. وهو واحد وصف بصفتين، فهو مبين وأعلى. فإن الشيء كلما علا بان وظهر.
العاشر: أنه لو كان خبرا عن الرب تعالى لكان القرآن قد دل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ربه سبحانه مرتين: مرة بالأفق، ومرة عند السدرة. ومعلوم أن الأمر لو كان كذلك لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه وقد سأله: هل رأيت ربك -قال صلى الله عليه وسلم: «نور، أنى أراه؟» فكيف يخبر القرآن أنه رآه مرتين، ثم يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنى أراه» وهذا أبلغ من قوله: (لم أره) لأنه مع النفي يقتضي الإخبار عن عدم الرؤية فقط. وهذا يتضمن النفي وطرفا من الإنكار على السائل، كما إذا قال لرجل: هل كان كيت وكيت؟ فيقول: كيف يكون ذلك؟
الحادي عشر: أنه لم يتقدم للرب جل جلاله ذكر يعود الضمير عليه في قوله: {ثم دنى فتدلى} والذي يعود الضمير عليه لا يصلح له وإنما هو لعبده.
الثاني عشر: أنه كيف يعود الضمير إلى ما لم يذكر، ويترك عوده إلى المذكور، مع كونه أولى به؟
الثالث عشر: أنه قد تقدم ذكر «صاحبكم» وأعاد عليه الضمائر التي تليق به، ثم ذكر بعده شديد القوى. ذا المرة. وأعاد عليه الضمائر التي تليق به. والخبر كله عن هذين المفسرين، وهما الرسول الملكي، والرسول البشري.
الخامس عشر: أنهم لم يماروه صلوات الله وسلامه عليه على رؤية ربه، ولا أخبرهم بها لتقع مماراتهم له عليها. وإنما ماروه على رؤية ما أخبرهم من الآيات التي أراه الله إياها. ولو أخبرهم برؤية الرب تعالى لكانت مماراتهم له عليها أعظم من مماراتهم على رؤية المخلوقات.
السادس عشر: أنه سبحانه قرر صحة ما رآه. وأن مماراتهم له على ذلك باطلة بقوله: {لقد رأى من آيات ربه الكبرى} ولو كان المرئي هو الرب سبحانه وتعالى والمماراة على ذلك منهم: لكان تقرير تلك الرؤية أولى، والمقام إليها أحوج. والله أعلم.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
فأما أنها سدرة المنتهى. فقد يعني هذا أنها التي ينتهي إليها المطاف.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
{عند سدرة المنتهى} متعلق ب {رءاه}. وخُصت بالذكر رؤيته عند سدرة المنتهى لعظيم شرف المكان بما حصل عنده من آيات ربه الكبرى ولأنها منتهى العروج في مراتب الكرامة. و {سدرة المنتهى}: اسْم أطلقه القرآن على مكان علوي فوق السماء السابعة، وقد ورد التصريح بها في حديث المعراج من الصحاح عن جمع من الصحابة. ولعله شُبه ذلك المكان بالسدرة التي هي واحدة شجر السدر إما في صفة تفرعه، وإما في كونه حداً انتهى إليه قرب النبي صلى الله عليه وسلم إلى موضع لم يبلغه قبله ملَك. ولعله مبني على اصطلاح عندهم بأن يجعلوا في حدود البقاع سدراً. وإضافة {سدرة} إلى {المنتهى} يجوز أن تكون إضافة بيانية. ويجوز كونها لتعريف السدرة بمكان ينتهي إليه لا يتجاوزه أحد لأن ما وراءه لا تطيقه المخلوقات. والسدرة: واحدة السدر وهو شجر النبق قالوا: ويختص بثلاثة أوصاف: ظل مديد، وطعم لذيذ، ورائحة ذكية، فجعلت السدرة مثلاً لذلك المكان كما جُعلت النخلة مثلاً للمؤمِن. وفي قوله: {ما يغشى} إبهام للتفخيم الإجمالي وأنه تضيق عنه عبارات الوصف في اللغة...