معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا لَقِيتُمۡ فِئَةٗ فَٱثۡبُتُواْ وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (45)

قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئةً } أي : جماعة كافرة .

قوله تعالى : { فاثبتوا } ، لقتالهم .

قوله تعالى : { واذكروا الله كثيراً } ، أي : ادعوا الله بالنصر والظفر بهم .

قوله تعالى : { لعلكم تفلحون } ، أي : كونوا على رجاء الفلاح .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا لَقِيتُمۡ فِئَةٗ فَٱثۡبُتُواْ وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (45)

{ 45 - 49 ْ } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ * وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ * إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ْ }

يقول تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً ْ } أي : طائفة من الكفار تقاتلكم .

{ فَاثْبُتُوا ْ } لقتالها ، واستعملوا الصبر وحبس النفس على هذه الطاعة الكبيرة ، التي عاقبتها العز والنصر .

واستعينوا على ذلك بالإكثار من ذكر اللّه { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ْ } أي : تدركون ما تطلبون من الانتصار على أعدائكم ، فالصبر والثبات والإكثار من ذكر اللّه من أكبر الأسباب للنصر .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا لَقِيتُمۡ فِئَةٗ فَٱثۡبُتُواْ وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (45)

وبعد هذا التذكير النافع ، والتصوير المؤثر لأحداث غزوة بدر ، وجه - سبحانه - في هذه السورة إلى المؤمنين النداء السادس والأخير ، حيث أمرهم بالثبات في وجه أعدائهم ، وبالمداومة على ذكره وطاعته . . ونهاهم عن التنازع والاختلاف فقال - تعالى - : { ياأيها الذين آمنوا . . . مَعَ الصابرين } .

وقوله : { لَقِيتُمْ } من اللقاء بمعنى المقابلة والمواجهة ، ويغلب استعماله في لقاء القتال وهو المراد هنا .

وقوله : { فِئَةً } أى : جماعة . مشتقة من الفئ بمعنى الرجوع ، لأن بعضهم يرجع إلى بعض .

والمراد بها هنا : جماعة المقاتلين من الكافرين وأشباههم .

والمتتبع لاستعمال القرآن لهذه الكلمة ، يراه يستعملها - في الأعم الأغلب - في الجماعة المقاتلة أو الناصرة أو ما يشبه ذلك .

قال - تعالى - : { كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ الله . . . } وقال - تعالى - : { قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ التقتا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ الله وأخرى كَافِرَةٌ . . . } وقال - تعالى - : { وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ الله وَمَا كَانَ مُنْتَصِراً } والمعنى : يأيها الذين آمنوا بالله حق الإِيمان ، { إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً } أى : حاربتم جماعة من أعدائكم ، فاثبتوا لقتالهم وأغلظوا عليهم في النزال ، ولا تولوهم الأدبار ، { فاثْبُتُواْ واذكروا الله كَثِيراً } لا سيما في مواطن الحرب ، فإن ذكر الله عن طريق القلب واللسان من أعظم وسائل النصر : لأن المؤمن متى استحضر عظمه الله في قلبه لا تهوله قوة عدوه ، ولا تخيفه كثرته . .

وقوله { لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ } أى : لعلكم تظفرون بمرادكم من النصر وحسن الثواب ، متى فعلتم ذلك عن إخلاص .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا لَقِيتُمۡ فِئَةٗ فَٱثۡبُتُواْ وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (45)

41

وإذ إن الأمر كذلك . . التدبير تدبير الله . والنصر من عند الله . والكثرة العددية ليست هي التي تكفل النصر . والعدة المادية ليست هي التي تقرر مصير المعركة . . فليثبت الذين آمنوا إذن حين يلقون الذين كفروا ؛ وليتزودوا بالعدة الحقيقية للمعركة ؛ وليأخذوا بالأسباب الموصولة بصاحب التدبير والتقدير ، وصاحب العون والمدد ، وصاحب القوة والسلطان ؛ وليتجنبوا أسباب الهزيمة التي هزمت الكفار على كثرة العدد وكثرة العدة ؛ وليتجردوا من البطر والكبرياء والباطل ؛ وليحترزوا من خداع الشيطان ، الذي أهلك أولئك الكفار ؛ وليتوكلوا على الله وحده فهو العزيز الحكيم :

( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا . واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون . وأطيعوا الله ورسوله ؛ ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم . واصبروا إن الله مع الصابرين . ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله ، والله بما يعملون محيط . وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم ، وقال : لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم . فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال : إني بريء منكم ، إني أرى ما لا ترون ، إني أخاف الله ، والله شديد العقاب . إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض : غر هؤلاء دينهم ! ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم )

وفي هذه الفقرات القليلة تحتشد معان وإيحاءات ، وقواعد وتوجيهات ، وصور ومشاهد ؛ وتشخص مواقف من المعركة كأنها حية واقعة ، وتتكشف خواطر ومشاعر وضمائر وسرائر . . مما يحتاج تصويره إلى أضعاف هذه المساحة من التعبير ؛ ثم لا يبلغ ذلك شيئاً من هذا التصوير المدهش الفريد !

إنها تبدأ بنداء الذين آمنوا - في سلسلة النداءات المتكررة للعصبة المسلمة في السورة - وتوجيههم إلى الثبات عند لقاء الأعداء ، وإلى التزود بزاد النصر ؛ والتأهب بأهبته .

( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا ، واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون ، وأطيعوا الله ورسوله ، ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ، واصبروا إن الله مع الصابرين . ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله ، والله بما يعملون محيط ) .

فهذه هي عوامل النصر الحقيقية : الثبات عند لقاء العدو . والاتصال بالله بالذكر . والطاعة لله والرسول . وتجنب النزاع والشقاق . والصبر على تكاليف المعركة . والحذر من البطر والرئاء والبغي . .

فأما الثبات فهو بدء الطريق إلى النصر . فأثبت الفريقين أغلبهما . وما يدري الذين آمنوا أن عدوهم يعاني أشد مما يعانون ؛ وأنه يألم كما يألمون ، ولكنه لا يرجو من الله ما يرجون ؛ فلا مدد له من رجاء في الله يثبت أقدامه وقلبه ! وأنهم لو ثبتوا لحظة أخرى فسينخذل عدوهم وينهار ؛ وما الذي يزلزل أقدام الذين آمنوا وهم واثقون من إحدى الحسنيين : الشهادة أو النصر ? بينما عدوهم لا يريد إلا الحياة الدنيا ؛ وهو حريص على هذه الحياة التي لا أمل له وراءها ولا حياة له بعدها ، ولا حياة له سواها ? !

وأما ذكر الله كثيراً عند لقاء الأعداء فهو التوجيه الدائم للمؤمن ؛ كما أنه التعليم المطرد الذي استقر في قلوب العصبة المؤمنة ، وحكاه عنها القرآن الكريم في تاريخ الأمة المسلمة في موكب الإيمان التاريخي . ومما حكاه القرآن الكريم من قول سحرة فرعون عندما استسلمت قلوبهم للإيمان فجأة ، فواجههم فرعون بالتهديد المروع البشع الطاغي ، قولهم : ( وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا . ربنا أفرغ علينا صبراً وتوفنا مسلمين ) . .

ومما حكاه كذلك عن الفئة القليلة المؤمنة من بني إسرائيل ، وهي تواجه جالوت وجنوده : ( ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا : ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ) .

ومما حكاه عن الفئات المؤمنة على مدار التاريخ في مواجهة المعركة : وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير ، فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله ، وما ضعفوا وما استكانوا ، والله يحب الصابرين . وما كان قولهم إلا أن قالوا : ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا ، وثبت أقدامنا ، وانصرنا على القوم الكافرين . .

ولقد استقر هذا التعليم في نفوس العصبة المسلمة ؛ فكان هذا شأنها حيثما واجهت عدواً . وقد حكى الله - فيما بعد - عن العصبة التي أصابها القرح في " أحد " ؛ فلما دعيت إلى الخروج ثاني يوم ، كان هذا التعليم حاضراً في نفوسها : ( الذين قال لهم الناس : إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم ، فزادهم إيماناً وقالوا : حسبنا الله ونعم الوكيل )

إن ذكر الله عند لقاء العدو يؤدي وظائف شتى : إنه الاتصال بالقوة التي لا تغلب ؛ والثقة بالله الذي ينصر أولياءه . . وهو في الوقت ذاته استحضار حقيقة المعركة وبواعثها وأهدافها ، فهي معركة لله ، لتقرير ألوهيته في الأرض ، وطرد الطواغيت المغتصبة لهذه الألوهية ؛ وإذن فهي معركة لتكون كلمة الله هي العليا ؛ لا للسيطرة ، ولا للمغنم ، ولا للاستعلاء الشخصي أو القومي . . كما أنه توكيد لهذا الواجب - واجب ذكر الله - في أحرج الساعات وأشد المواقف . . وكلها إيحاءات ذات قيمة في المعركة ؛ يحققها هذا التعليم الرباني .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا لَقِيتُمۡ فِئَةٗ فَٱثۡبُتُواْ وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (45)

القول في تأويل قوله تعالى : { يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوَاْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لّعَلّكُمْ تُفْلَحُونَ } .

وهذا تعريف من الله جلّ ثناؤه أهل الإيمان به السيرة في حرب أعدائه من أهل الكفر به والأفعال التي ترجى لهم باستعمالها عند لقائهم النصرة عليهم والظفر بهم ، ثم يقول جلّ ثناؤه لهم : يا أيها الذين آمنوا ، صدّقوا الله ورسوله إذا لقيتم جماعة من أهل الكفر بالله للحرب والقتال ، فاثبتوا لقتالهم ولا تنهزموا عنهم ولا تولوهم الأدبار هاربين ، إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة منكم . وَاذْكُرُوا الله كَثيرا يقول : وادعوا الله بالنصر عليهم والظفر بهم ، وأشعروا قلوبكم وألسنتكم ذكره . لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ يقول : كيما تنجحوا فتظفروا بعدوكم ، ويرزقكم الله النصر والظفر عليهم . كما :

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيُتمْ فِئَةً فاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللّهَ كَثِيرا لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ افترض الله ذكره عند أشغل ما تكونون عند الضراب بالسيوف .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة عن ابن إسحاق : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيُتمْ فِئَةً يقاتلونكم في سبيل الله ، فاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللّهَ كَثِيرا اذكروا الله الذي بذلتم له أنفسكم والوفاء بما أعطيتموه من بيعتكم ، لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا لَقِيتُمۡ فِئَةٗ فَٱثۡبُتُواْ وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (45)

{ يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة } حاربتم جماعة ولم يصفها لأن المؤمنين ما كانوا يلقون إلا الكفار ، واللقاء مما غلب في القتال . { فاثبُتوا } للقائهم . { واذكروا الله كثيرا } في مواطن الحرب داعين له مستظهرين بذكره مترقبين لنصره . { لعلكم تفلحون } تظهرون بمرادكم من النصرة والمثوبة ، وفيه تنبيه على أن العبد ينبغي أن لا يشغله شيء عن ذكر الله ، وأن يلتجئ إليه عند الشدائد ويقبل عليه بشراشره فارغ البال واثقا بأن لطفه لا ينفك عنه في شيء من الأحوال .