معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَءُنزِلَ عَلَيۡهِ ٱلذِّكۡرُ مِنۢ بَيۡنِنَاۚ بَلۡ هُمۡ فِي شَكّٖ مِّن ذِكۡرِيۚ بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ} (8)

قوله تعالى : { أأنزل عليه الذكر } القرآن ، { من بيننا } وليس بأكبرنا ولا أشرفنا ، يقوله أهل مكة . قال الله عز وجل : { بل هم في شك من ذكري } أي وحي وما أنزلت ، { بل لما يذوقوا عذاب } أي لم يذوقوا عذابي ، ولو ذاقوه لما قالوا هذا القول .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَءُنزِلَ عَلَيۡهِ ٱلذِّكۡرُ مِنۢ بَيۡنِنَاۚ بَلۡ هُمۡ فِي شَكّٖ مِّن ذِكۡرِيۚ بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ} (8)

{ أَءُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا } أي : ما الذي فضله علينا ، حتى ينزل الذكر عليه من دوننا ، ويخصه اللّه به ؟ وهذه أيضا شبهة ، أين البرهان فيها على رد ما قاله ؟ وهل جميع الرسل إلا بهذا الوصف ، يَمُنُّ اللّه عليهم برسالته ، ويأمرهم بدعوة الخلق إلى اللّه ، ولهذا ، لما كانت هذه الأقوال الصادرة منهم لا يصلح شيء منها لرد ما جاء به الرسول ، أخبر تعالى من أين صدرت ، وأنهم { فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي } ليس عندهم علم ولا بينة .

فلما وقعوا في الشك وارتضوا به ، وجاءهم الحق الواضح ، وكانوا جازمين بإقامتهم على شكهم ، قالوا ما قالوا من تلك الأقوال لدفع الحق ، لا عن بينة من أمرهم ، وإنما ذلك من باب الائتفاك منهم .

ومن المعلوم ، أن من هو بهذه الصفة يتكلم عن شك وعناد ، إن قوله غير مقبول ، ولا قادح أدنى قدح في الحق ، وأنه يتوجه عليه الذم واللوم بمجرد كلامه ، ولهذا توعدهم بالعذاب فقال : { بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ } أي : قالوا هذه الأقوال ، وتجرأوا عليها ، حيث كانوا ممتعين في الدنيا ، لم يصبهم من عذاب اللّه شيء ، فلو ذاقوا عذابه ، لم يتجرأوا .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَءُنزِلَ عَلَيۡهِ ٱلذِّكۡرُ مِنۢ بَيۡنِنَاۚ بَلۡ هُمۡ فِي شَكّٖ مِّن ذِكۡرِيۚ بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ} (8)

ثم صرحوا فى نهاية المطاف بالسبب الحقيقى الذى حال بينهم وبين الإِيمان ، ألا وهو الحقد والحسد ، وإنكار أن يختص الله تعالى رسوله من بينهم بالرسالة ، فقالوا - كما حكى القرآن عنهم - : { أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذكر مِن بَيْنِنَا ؟ . . . } .

والاستفهام للإِنكار والنفى . أى : يف يدعى محمد صلى الله عليه وسلم أنه قد نزل عليه القرآن من بيننا ، ونحن السادة الأغنياء العظماء ، وهو دوننا فى ذلك ؟ إننا ننكر وننفى دعواه النبوة من بيننا .

قال صاحب الكشاف : أنكروا أن يختص بالشرف من بين أشرافهم ورؤسائهم وينزل عليه الكتاب من بينهم ، كما قالوا : { وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هذا القرآن على رَجُلٍ مِّنَ القريتين عَظِيمٍ } وهذا الإِنكار ترجمة عما كانت تغلى به صدورهم من الحسد على ما أوتى من شرف النبوة من بينهم .

ولقد حكى القرآن أحقادهم هذه على النبى صلى الله عليه وسلم فى آيات كثيرة ورد عليها بما يبطلها ومن ذلك قوله - تعالى - :

{ وَإِذَا جَآءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حتى نؤتى مِثْلَ مَآ أُوتِيَ رُسُلُ الله الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ . . . } ولقد صرح أبو جهل بهذا الحسد للنبى صلى الله عليه وسلم فعندما سأله سائل ، أتظن محمدا على حق أم على باطل ؟ كان جوابه : إن محمد لعلى حق ولكن متى كنا لبنى هاشم تبعا . أى : متى كانت أسرتنا تابعة لبنى هاشم ! !

وفى رواية أنه قال : تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف : أطعموا فأطعمنا ، وحملوا فحملنا ، وأعطوا فأعطينا ، حتى إذا تحاذينا على الركب ، وكنا كفرسى رهان ، قالوا : منا نبى يأتيه الوحى من السماء ، فمتى ندرك هذه ؟ والله لا نؤمن به أبدا ولا نصرفه .

وقوله - سبحانه - : { بْل هُمْ فَي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي } إضراب عن كلام يفهم من السياق . وتسلية للرسول صلى الله عليه وسلم عما أصابه منهم من أذى .

أى : هؤلاء الجاحدون الحاقدون لم يقطعوا برأى فى شأنك - أيها الرسول الكريم - وفى شأن ما جئتهم به ، ولم يستندوا فى أقوالهم إلى دليل أو ما يشبه الدليل ، وإنما هم فى شك من هذا القرآن الذى أيدناك به ، بدليل أنك تراهم يصفونك تارة بالسحر ، وتارة بالكهانة ، وتارة بالشعر ، ولو عقلوا وأنصفوا لآمنوا بك وصدقوك .

وقوله - سبحانه - : { بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ } إضراب عن مجموع الكلامين السابقين المشتملين على الحسد والشك .

أى : لا تحزن - أيها الرسول الكريم - من مسالكهم الخبيثة ، وأقوالهم الفاسدة . فإنهم ما فعلوا ذلك إلا أنهم لم يذوقوا عذابى بعد ، فإذا ذاقوه زال حسدهم وشكهم ، وتيقنوا بأنك على الحق المبين ، وهم على الباطل الذى لا يحوم حوله حق .

وفى التعبير بقوله { لما } إشارة إلى أن نزول العذاب هبم وتذويقهم له ، قريب للحصول .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَءُنزِلَ عَلَيۡهِ ٱلذِّكۡرُ مِنۢ بَيۡنِنَاۚ بَلۡ هُمۡ فِي شَكّٖ مِّن ذِكۡرِيۚ بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ} (8)

القول في تأويل قوله تعالى : { أَاُنزِلَ عَلَيْهِ الذّكْرُ مِن بَيْنِنَا بْل هُمْ فَي شَكّ مّن ذِكْرِي بَل لّمّا يَذُوقُواْ عَذَابِ } :

يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هؤلاء المشركين من قريش : أأُنزل على محمد الذكر من بيننا فخُصّ به ، وليس بأشرف منا حسبا . وقوله : بَلْ هُمْ فِي شَكّ مِنْ ذِكرِي يقول تعالى ذكره : ما بهؤلاء المشركين أن لا يكونوا أهل علم بأن محمدا صادق ، ولكنهم في شكّ من وحينا إليه ، وفي هذا القرآن الذي أنزلناه إليه أنه من عندنا بَلْ لَمّا يَذُوقُوا عَذَابِ يقول بل لم ينزل بهم بأسنا ، فيذوقوا وبال تكذيبهم محمدا ، وشكهم في تنزيلنا هذا القرآن عليه ، ولو ذاقوا العذاب على ذلك علموا وأيقنوا حقيقة ما هم به مكذّبون ، حين لا ينفعهم علمهم أمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبّكَ العَزِيزِ الوَهّابِ يقول تعالى ذكره : أم عند هؤلاء المشركين المنكرين وحي الله إلى محمد خزائن رحمة ربك ، يعني مفاتيح رحمة ربك يا محمد ، العزيز في سلطانه ، الوهاب لمن يشاء من خلقه ، ما يشاء من مُلك وسلطان ونبوّة ، فيمنعوك يا محمد ، ما منّ الله به عليك من الكرامة ، وفضّلك به من الرسالة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَءُنزِلَ عَلَيۡهِ ٱلذِّكۡرُ مِنۢ بَيۡنِنَاۚ بَلۡ هُمۡ فِي شَكّٖ مِّن ذِكۡرِيۚ بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ} (8)

يجوز أن يكون { أءُنزِلَ عليه الذكر من بيننا } من كلام عموم الكافرين المحكي بقوله : { وقال الكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كذَّابٌ } [ ص : 4 ] فيكون متصلاً بقوله : { أجعَلَ الآلِهة إلها واحداً } [ ص : 5 ] ويكون قوله { أءُنزلَ عليه الذكرُ } بياناً لجملة { كَذَّابٌ } [ ص : 4 ] ، لأن تقديره : هذا كذّاب إذ هو خبر ثان ل ( كان ) ، ولكونه بياناً للذي قبله لم يعطف عليه ويكون ما بينهما من قوله : { وانطلق الملأُ منهم } [ ص : 6 ] إلى قوله : { إن هذا إلا اختلاقٌ } [ ص : 7 ] اعتراضاً بين جملتي البيان .

ويجوز أن يكون من تمام كلام الملأ واستغني به عن بيان جملة { كَذَّابٌ } لأن نطق الملأ به كاففٍ في قول الآخرين بموجَبه فاستغنوا عن بيان جملة { كذابٌ } .

والاستفهام إنكاري ، ومناط الإِنكار هو الظرف { من بيننا } وهو في موضع حال من ضمير { عليه } ، فأنكروا أن يُخص محمد صلى الله عليه وسلم بالإِرسال وإنزاللِ القرآن دون غيره منهم ، وهذا هو المحكي في قوله تعالى : { وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } [ الزخرف : 31 ] أي من مكة أو الطائف ولم يريدوا بهذا الإِنكار تجويز أصل الرسالة عن الله وإنما مرادهم استقصاء الاستبعاد فإنهم أنكروا أصل الرسالة كما اقتضاه قوله تعالى : { وعَجِبوا أن جاءَهم مُنذرٌ منهم } [ ص : 4 ] وغيره من الآيات ، وهذا الأصل الثاني من أصول كفرهم التي تقدم ذكرها عند قوله تعالى : { أجعل الآلهة إلها واحداً } [ ص : 5 ] وهو أصل إنكار بعثه رسول منهم .

{ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي } يجوز أن يكون هذا جواباً عن قولهم : { أءُنزِلَ عليه الذكر من بيننا } أي ليس قصدهم الطعن في اختصاصك بالرسالة ولكنهم شاكُّون في أصل إنزاله ، فتكون { بل } إضراباً إبطالياً تكذيباً لما يظهر من إنكارهم إنزال الذكر عليه من بينهم على ما تقدم ، أي إنما قصدهم الشك في أن الله يوحي إلى أحد بالرسالة ، فيكون معنى { في شَكّ من ذِكري } شكّاً من وقوعه . والشك يطلق على اليقين مجازاً مرسلاً بعلاقة الإِطلاق والتقييد فيكون كمعنى قوله تعالى : { فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات اللَّه يجحدون } [ الأنعام : 33 ] . ويجوز أن يكون انتقالاً من خبر عنهم إلى خبر آخر فيكون استئنافاً وتكون { بل } للإِضراب الانتقالي ، والمعنى : وهم في شك من ذكري ، أي في شك من كنه القرآن ، فمرة يقولون : افتراه ، ومرة يقولون : شعر ، ومرة : سحر ، ومرة : أساطير الأولين ، ومرة : قول كاهن . فالمراد بالشك حقيقتهُ أي التردد في العلم . وإضافة الذكر إلى ضمير المتكلم وهو الله تعالى إضافة تشريف ولتحقيق كونه من عند الله . والذكر على هذا الوجه هو عين المراد من قوله : { أءُنزل عليه الذكر } وإنما وقع التعبير عنه بالظاهر دون الضمير توصلاً إلى التنويه به بأنه من عند الله .

و { في } للظرفية المجازية ، جُعلت ملابسة الشك إياهم بمنزلة الظرف المحيط بمحويه في أنه لا يخلو منه جانب من جوانبه .

و { مِن } في قوله : { مِن ذِكري } ابتدائية لكون الشك صفة لهم ، أي نشأ لهم الشك من شأن ذكري ، أي من جانب نفي وقوعه ، أو في جانب ما يصفونه به .

{ بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عذاب } أتبع ذلك الإِضراب بإضراب آخر يبين أن الذي جرّأهم على هذا الشقاق أنهم لما تأخر حلول العذاب بهم ظنوا وعيده كاذباً فأخذوا في البذاءة والاستهزاء ولو ذاقوا العذاب لألقمت أفواههم الحجر .

و { لمّا } حرف نفي بمعنى ( لم ) إلاّ أن في { لمّا } خصوصية ، وهي أنها تدلّ على المنفي بها متصل الانتفاء إلى وقت التكلم بخلاف ( لم ) فلذلك كان النفي ب { لمّا } قد يُفهم منه ترقب حصول المنفي بعد ذلك قال صاحب « الكشاف » في قوله تعالى : { ولما يدخل الإيمان في قلوبكم } في سورة الحجرات } ( 14 ) ما في { لمّا من معنى التوقع دال على أن هؤلاء قد آمنوا فيما بعدُ ، أي دال بطريق المفهوم الحاصل من معنى غاية النفي إلى زمن التكلم ، أي لا أضمن ما بعد ذلك ، وقد ذاقوا عذاب السيف يوم بدر بعد نزول هذه الآية بأربع سنين .

وإضافة { عذاب } إلى ياء المتكلم لاختصاصه بالله لأنه مُقدِّره وقاض به عليهم ولوقوعه على حالة غير جارية على المعتاد إذ الشأن أن يستأصل الجيش القوي الجيشَ القليل . وحذفت ياء المتكلم تخفيفاً للفاصلة ، وأبقيت الكسرة دليلاً عليها وهو حذف كثير في الفواصل والشعر على نحو حذفها من المنادَى .