إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{أَءُنزِلَ عَلَيۡهِ ٱلذِّكۡرُ مِنۢ بَيۡنِنَاۚ بَلۡ هُمۡ فِي شَكّٖ مِّن ذِكۡرِيۚ بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ} (8)

{ أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذكر } أي القرآن { من بَيْنِنَا } ونحن رؤساءُ النَّاسِ وأشرافُهم كقولهم : { لولا نزِّل هذا القرآنُ على رجلٍ من القريتينِ عظيمٍ } [ سورة الزخرف ، الآية31 ] ومرادهم إنكارُ كونه ذكراً منزَّلاً من عند الله عزَّ وجلَّ كقولهم : { لو كان خيراً ما سبقُونا إليه } [ سورة الأحقاف ، الآية11 ] وأمثالُ هذه المقالاتِ الباطلة ودليلٌ على أنَّ مناطَ تكذيبهم ليس إلاَّ الحسدُ وقِصرُ النَّظرِ على الحُطام الدنيويِّ { بْل هُمْ فَي شَكّ مّن ذِكْرِي } أي من القرآنِ أو الوحي لميلهم إلى التَّقليدِ وإعراضِهم عن النَّظرِ في الأدِلَّةِ المؤدِّية إلى العلمِ بحقِّيتِه وليس في عقيدتِهم ما يبتُّون به فهم مذبذبون بين الأوهامِ ينسبونه تارةً إلى السِّحرِ وأخرى إلى الاختلاقِ { بَل لمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ } أي بل لم يذوقُوا بعد عذابي فإذا ذاقُوه تبيَّن لهم حقيقةُ الحال ، وفي لمَّا دلالةٌ على أنَّ ذوقَهم على شرف الوقوع والمعنى أنهم لا يصدّقون به حتى يمسَّهم العذاب وقيل لم يذوقوا عذابَي الموعودَ في القرآنِ ولذلك شكُّواً فيه .