محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{أَءُنزِلَ عَلَيۡهِ ٱلذِّكۡرُ مِنۢ بَيۡنِنَاۚ بَلۡ هُمۡ فِي شَكّٖ مِّن ذِكۡرِيۚ بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ} (8)

{ أأنزل عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا } أي : مع أن فينا من هو أثرى وأعلى رياسة . قال الزمخشريّ : أنكروا أن يختص بالشرف من بين أشرافهم ورؤسائهم ، وينزل عليه الكتاب من بينهم كما قالوا : { لولا نزّل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } ، وهذا الإنكار ترجمة عما كانت تغلي به صدورهم من الحسد ، على ما أوتي من شرف النبوة من بينهم { بل هم في شك من ذكري } إضراب عن مقدّر . أي : إنكارهم للذكر ليس عن علم ، بل هم في شك منه . يقولون في أنفسهم : إمّا وإمّا { بل لما يذوقوا عذاب } أي على الإنكار . فإذا ذاقوه زال عنهم ما بهم من الشك والحسد ، وصدقوا . وتصديقهم لا ينفعهم حينئذ لأنهم صدقوا مضطرين .

قال الناصر في ( الانتصاف ) : ويؤخذ منه أن ( لما ) لائقة بالجواب . وإنما ينفى بها فعل يتوقع وجوده . كما يقول سيبويه . وفرق بينها وبين ( لم ) بأن ( لم ) نفي لفعل يتوقع وجوده لم يقبل مثبته ( قد ) . و ( لما ) نفي لما يتوقع وجوده أدخل على مثبته ( قد ) .

وقال : وإنما ذكرت ذلك لأني حديث عهد بالبحث في قوله عليه الصلاة والسلام : ( الشفعة فيما لم يقسم ) . فإني استدللت به على أن الشفعة خاصة بما يقبل القسمة . فقيل لي : إن غايته أنه أثبت الشفعة فيما نفي عنه القسمة . فإما لأنها لا تقبل قسمة ، وإما أنها تقبل ولم تقع القسمة ، فأبطلت ذلك بأن آلة النفي المذكورة ( لم ) ومقتضاها ، قبول المحل الفعل المنفيّ وتوقع وجوده . ألا تراك تقول : الحجر لا يتكلم . ولو قلت : الحجر لم يتكلم ، لكان ركيكا من القول ، لإفهامه قبوله للكلام . انتهى . وهو لطيف جيد .