فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَءُنزِلَ عَلَيۡهِ ٱلذِّكۡرُ مِنۢ بَيۡنِنَاۚ بَلۡ هُمۡ فِي شَكّٖ مِّن ذِكۡرِيۚ بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ} (8)

ثم استنكروا أن يخص الله رسوله بمنزلة النبوة دونهم فقالوا { أأنزل عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا . . . } . والاستفهام للإنكار ، أي كيف يكون ذلك ونحن الرؤساء والأشراف ، قال الزجاج : قالوا : كيف أنزل على محمد القرآن من بيننا ؟ ونحن أكبر سنا وأعظم شرفا منه ، وهذا مثل قولهم { لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } فأنكروا أن يتفضل الله سبحانه على من يشاء من عباده بما شاء . ولما ذكر استنكارهم لنزول القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم دونهم ، بين السبب الذي لأجله تركوا التصديق برسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جاء به فقال :

{ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي } أي من القرآن أو الوحي ، لإعراضهم عن النظر الموجب لتصديقه ، وإهمالهم للأدلة الدالة على أنه حق منزل من عند الله { بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ } أي بل السبب أنهم لم يذوقوا عذابي فاغتروا بطول المهلة . ولو ذاقوا عذابي على ما هم عليه من الشرك والشك لصدقوا ما جئت به من القرآن ، ولم يشكوا فيه ، وذوقهم له متوقع فإذا ذاقوه زال عنهم الشك ، وصدقوا ، وتصديقهم لا ينفعهم حينئذ لأنهم صدقوا مضطرين فقوله : بل لما يذوقوا إضراب عن الإضراب الأول خلاف ما يفهم من الكشاف من تعلقه بالكلامين قبله .