تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{أَءُنزِلَ عَلَيۡهِ ٱلذِّكۡرُ مِنۢ بَيۡنِنَاۚ بَلۡ هُمۡ فِي شَكّٖ مِّن ذِكۡرِيۚ بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ} (8)

قوله تعالى : { أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا } يدل على أنهم قد رأوا أن من أنزل عليه الذكر من السماء ، إنما ينزل لفضل وخصوصية . لكن إنما رأوا الفضل والخصوصية لأنفسهم لما لهم الفضل في الدنيا ، فلم يروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك أنكروا إنزال الذكر عليه دونهم ، ولذلك قالوا : { لولا أنزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } [ الزخرف : 31 ] وقالوا : { أأنزل عليه الذكر من بيننا } .

ثم أخبر عز وجل أنهم شاكون في ذكره حين قالوا : { بل هم في شك من ذكري } . وتأويل هذا ، والله أعلم : أن الشك هو الذي لا يوجب القطع على شيء ، بل يوجب الوقف ويبطل القطع على شيء . فكيف قطعتم على الرد والإنكار دون أن تقفوا فيه ؟ والله أعلم .

وقوله تعالى : { بل لما يذوقوا عذاب } يحتمل أن يكون هذا على الإخبار عن الإياس من إيمانهم أنهم لا يؤمنون حتى يذوقوا العذاب كقوله : { إن الذين حقت عليهم كلمت ربك لا يؤمنون } { ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم } [ يونس : 96/97 ] .

وقال مقاتل : اللام زائدة كأنه قال { بل هم في شك من ذكري } بل ما ذاقوا عذابي . يذكر سفههم في ردهم الذكر وتكذيبهم إياه على الشك منهم ؛ والشك يوجب الوقف في الشيء لا القطع في الرد والتكذيب له .

ثم فيه الدلالة على أن الحجج والبراهين قد تلزم من جهل الحقيقة ولم تتحقق عنده ؛ إذا كانت تسأل التحقق لها والوقوف عليها بالتأمل والنظر فيها ، وإن كانت لم تتحقق عنده بالبديهة وعند قرعها سمعه ، فهو حجة لقول علمائنا : إن من أسلم في دار الإسلام ، ولم يعلم أن عليه الشرائع والأحكام ، كان مأخوذا بها غير معذور في جهله فيها لأنها تبين ما يوصل إليها بالسؤال والبحث عنها والفحص عنها ، والله أعلم .