قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه } ، قرأ أهل المدينة والشام : يرتدد بدالين على إظهار التضعيف ، عن دينه فيرجع إلى الكفر . قال الحسن : علم الله تبارك وتعالى أن قوماً يرجعون عن الإسلام بعد موت نبيهم صلى الله عليه وسلم فأخبر أنه سيأتي بقوم يحبهم الله ويحبونه . واختلفوا في أولئك القوم من هم ؟ قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، والحسن ، وقتادة : هم أبو بكر وأصحابه الذين قاتلوا أهل الردة ومانعي الزكاة ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قبض ارتد عامة العرب إلا أهل مكة ، والمدينة ، والبحرين ، من عبد القيس . ومنع بعضهم الزكاة ، وهمّ أبو بكر رضي الله عنه بقتالهم ، فكره ذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال عمر رضي الله عنه : كيف نقاتل الناس ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله عز وجل ) ؟ فقال أبو بكر : والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، فغن الزكاة حق المال ، والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها ، قال أنس بن مالك رضي الله عنه : كرهت الصحابة قتال مانعي الزكاة ، وقالوا : أهل القبلة ، فتقلد أبو بكر سيفه وخرج وحده ، فلم يجدوا بداً من الخروج على أثره . قال ابن مسعود : كرهنا ذلك في الابتداء . ثم حمدناه عليه في الانتهاء . قال أبو بكر بن عياش : سمعت أبا حصين يقول : ما ولد بعد النبيين مولود أفضل من أبي بكر رضي الله عنه ، لقد قام مقام نبي من الأنبياء في قتال أهل الردة . وكان قد ارتد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث فرق : منهم بنو مدلج ، ورئيسهم ذو الحمار عيهلة بن كعب العنسي ، ويلقب بالأسود ، وكان كاهناً مشعبذاً ، فتنبأ باليمن ، واستولى على بلاده ، فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معاذ بن جبل ومن معه من المسلمين ، وأمرهم أن يحثوا الناس على التمسك بدينهم ، وعلى النهوض إلى حرب الأسود ، فقتله فيروز الديلمي على فراشه ، قال ابن عمر رضي الله عنه : فأتى الخبر النبي صلى الله عليه وسلم من السماء الليلة التي قتل فيها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قتل الأسود البارحة ، قتله رجل مبارك ، قيل : ومن هو ؟ قال : فيروز ، فبشر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بهلاك الأسود ، وقبض صلى الله عليه وسلم من الغد ، وأتى خبر مقتل العنسي المدينة في آخر شهر ربيع الأول بعدما خرج أسامة ، وكان ذلك أول فتح جاء أبا بكر رضي الله عنه .
والفرقة الثانية : بنو حنيفة باليمامة ، ورئيسهم مسيلمة الكذاب ، وكان قد تنبأ في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر سنة عشر ، وزعم أنه أشرك مع محمد صلى الله عليه وسلم في النبوة ، وكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
من مسيلمة رسول الله ، إلى محمد رسول الله ، أما بعد ، فإن الأرض نصفها لي ونصفها لك .
وبعث إليه مع رجلين من أصحابه ، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما " ثم أجاب :
" من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مسيلمة الكذاب ، أما بعد ، فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده ، والعاقبة للمتقين " .
ومرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتوفي ، فبعث أبو بكر خالد بن الوليد إلى مسيلمة الكذاب في جيش كثير حتى أهلكه الله على يدي وحشي غلام مطعم بن عدي الذي قتل حمزة بن عبد المطلب ، بعد حرب شديد ، وكان وحشي يقول : قتلت خير الناس في الجاهلية ، وشر الناس في الإسلام .
والفرقة الثالثة : بنو أسد ، ورئيسهم طليحة بن خويلد ، وكان طليحة آخر من ارتد ، وادعى النبوة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، وأول من قوتل بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الردة ، فبعث أبو بكر خالد بن الوليد إليه ، فهزمهم خالد بعد قتال شديد ، وأفلت طليحة ، ففر على وجهه هارباً نحو الشام ، ثم إنه أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه . وارتد بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في خلافة أبي بكر رضي الله عنه خلق كثير ، حتى كفى الله المسلمين أمرهم ، ونصر دينه على يدي أبي بكر رضي الله عنه . قالت عائشة : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتدت العرب ، واشرأب النفاق ، ونزل بأبي بكر ما لو نزل بالجبال الراسيات لهاضها .
وقال قوم : المراد بقوله : { فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه } هم الأشعريون . روي عن عياض بن غنم الأشعري قال : لما نزلت هذه الآية { فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه } ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( هم قوم هذا ، وأشار إلى أبي موسى الأشعري ) . وكانوا من اليمن .
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي ، أنا أبو الحسن الطيسفوني ، أنا أبو عبد الله بن عمر الجوهري ، أنا أحمد بن علي الكشميهني ، حدثنا علي ابن حجر ، أنا إسماعيل بن جعفر ، أنا محمد بن عمرو بن علقمة ، عن أبي موسى ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أتاكم أهل اليمن ، هم أضعف قلوباً وأرق أفئدةً ، الإيمان يمان ، والحكمة يمانية ) .
وقال الكلبي : هم أحياء من اليمن ، ألفان من النخع ، وخمسة آلاف من كندة وبجيلة ، وثلاثة آلاف من أفناء الناس ، فجاهدوا في سبيل الله يوم القادسية في أيام عمر رضي الله عنه .
قوله تعالى : { أذلة على المؤمنين } ، يعني : أرقاء رحماء ، لقوله عز وجل : { واخفض لهما جناح الذل من الرحمة } ، ولم يرد به الهوان ، بل أراد به أن جانبهم لين على المؤمنين . وقيل : هو من الذل من قولهم ، دابة ذلول ، يعني أنهم متواضعون ، قال الله تعالى : { وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً } .
قوله تعالى : { أعزة على الكافرين } ، أي : أشداء غلاظ على الكفار ، يعادونهم ويغالبونهم ، من قولهم : عزه أي غلبه . قال عطاء : ( أذلة على المؤمنين ) كالولد لوالده ، والعبد لسيده ، ( أعزة على الكافرين ) : كالسبع على فريسته ، نظيره قوله تعالى : { أشداء على الكفار رحماء بينهم } .
قوله تعالى : { يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم } ، يعني : لا يخافون في الله لومة الناس ، وذلك أن المنافقين كانوا يراقبون الكفار ويخافون لومهم .
وروينا عن عبادة بن الصامت قال : بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة ، وأن نقوم أو نقول بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم .
قوله تعالى : { ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء } ، أي محبتهم لله ، ولين جانبهم للمسلمين ، وشدتهم على الكافرين ، من فضل الله عليهم .
{ 54 ْ } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ْ }
يخبر تعالى أنه الغني عن العالمين ، وأنه من يرتد عن دينه فلن يضر الله شيئا ، وإنما يضر نفسه . وأن لله عبادا مخلصين ، ورجالا صادقين ، قد تكفل الرحمن الرحيم بهدايتهم ، ووعد بالإتيان بهم ، وأنهم أكمل الخلق أوصافا ، وأقواهم نفوسا ، وأحسنهم أخلاقا ، أجلُّ صفاتهم أن الله { يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ْ } فإن محبة الله للعبد هي أجل نعمة أنعم بها عليه ، وأفضل فضيلة ، تفضل الله بها عليه ، وإذا أحب الله عبدا يسر له الأسباب ، وهون عليه كل عسير ، ووفقه لفعل الخيرات وترك المنكرات ، وأقبل بقلوب عباده إليه بالمحبة والوداد .
ومن لوازم محبة العبد لربه ، أنه لابد أن يتصف بمتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا ، في أقواله وأعماله وجميع أحواله ، كما قال تعالى : { قُلْ إِن كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ْ }
كما أن من لازم{[267]} محبة الله للعبد ، أن يكثر العبد من التقرب إلى الله بالفرائض والنوافل ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عن الله : " وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضت عليه ، ولا يزال [ عبدي ] يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أُحبه ، فإذا أحببتُه كنتُ سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، ولئن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه " .
ومن لوازم محبة الله معرفته تعالى ، والإكثار من ذكره ، فإن المحبة بدون معرفة بالله ناقصة جدا ، بل غير موجودة وإن وجدت دعواها ، ومن أحب الله أكثر من ذكره ، وإذا أحب الله عبدا قبل منه اليسير من العمل ، وغفر له الكثير من الزلل .
ومن صفاتهم أنهم { أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ْ } فهم للمؤمنين أذلة من محبتهم لهم ، ونصحهم لهم ، ولينهم ورفقهم ورأفتهم ، ورحمتهم بهم وسهولة جانبهم ، وقرب الشيء الذي يطلب منهم وعلى الكافرين بالله ، المعاندين لآياته ، المكذبين لرسله - أعزة ، قد اجتمعت هممهم وعزائمهم على معاداتهم ، وبذلوا جهدهم في كل سبب يحصل به الانتصار عليهم ، قال تعالى : { وَأَعِدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُمْ مِن قُوَّةٍ وَمِن رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ْ } وقال تعالى : { أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ْ } فالغلظة والشدة على أعداء الله مما يقرب العبد إلى الله ، ويوافق العبد ربه في سخطه عليهم ، ولا تمنع الغلظة عليهم والشدة دعوتهم إلى الدين الإسلامي بالتي هي أحسن . فتجتمع الغلظة عليهم ، واللين في دعوتهم ، وكلا الأمرين من مصلحتهم ونفعه عائد إليهم .
{ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ْ } بأموالهم وأنفسهم ، بأقوالهم وأفعالهم . { وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ْ } بل يقدمون رضا ربهم والخوف من لومه على لوم المخلوقين ، وهذا يدل على قوة هممهم وعزائمهم ، فإن ضعيف القلب ضعيف الهمة ، تنتقض عزيمته عند لوم اللائمين ، وتفتر قوته عند عذل العاذلين . وفي قلوبهم تعبد لغير الله ، بحسب ما فيها من مراعاة الخلق وتقديم رضاهم ولومهم على أمر الله ، فلا يسلم القلب من التعبد لغير الله ، حتى لا يخاف في الله لومة لائم .
ولما مدحهم تعالى بما من به عليهم منَّ الصفات الجليلة والمناقب العالية ، المستلزمة لما لم يذكر من أفعال الخير -أخبر أن هذا من فضله عليهم وإحسانه لئلا يعجبوا بأنفسهم ، وليشكروا الذي مَنَّ عليهم بذلك ليزيدهم من فضله ، وليعلم غيرُهم أن فضل الله تعالى ليس عليه حجاب ، فقال : { ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ْ } أي : واسع الفضل والإحسان ، جزيل المنن ، قد عمت رحمته كل شيء ، ويوسع على أوليائه من فضله ، ما لا يكون لغيرهم ، ولكنه عليم بمن يستحق الفضل فيعطيه ، فالله أعلم حيث يجعل رسالته أصلا وفرعا .
وبعد أن حذر - سبحانه - المؤمنين من ولاية اليهود والنصارى ، عقب ذلك بنداء آخر وجهه إليهم ، وبين لهم فيه أن موالاة أعداء الله قد تجر إلى الارتداد عن الدين ، وأنهم إن ارتدوا فسوف يأتي الله بقوم آخرين لن يكونوا مثلهم ، وإن من الواجب عليهم أن يجعلوا ولا يتهم الله ولرسوله وللمؤمنين فقال - تعالى - :
{ ياأيها الذين آمَنُواْ مَن يَرْتَدّ . . . }
قوله - تعالى - { مَن يَرْتَدَّ } من الارتداد . ومعناه : الرجوع إلى الخلف ونمه قوله - تعالى - { رُدُّوهَا عَلَيَّ } أي : ارجعوها على . وقوله : { إِنَّ الذين ارتدوا على أَدْبَارِهِمْ } والمراد بالارتداد هنا : الرجوع عن دين الإِسلام إلى الكفر والضلال ، والخروج من الحق الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غيره من الأباطيل والأكاذيب .
قالوا : وفي هذه الآية الكريمة إشارة إلى أن من الذين دخلوا في الإِسلام من سيرتد عنه إلى غيره من الكفر والضلال ، وقد كان الأمر كما أشارت الآية الكريمة ؛ فقد ارتد عن الإِسلام بعض القبائل كقبيلة بني حنيفة - قوم مسيلمة الكذاب - وقبيلة بني أسد ، وقبيلة بني مدلج وغيرهم .
وقد تصدى سيدنا أبو بكر الصديق ومن معه من المؤمنين الصادقين للمرتدين فكسروا شوكة الردة ، وأعادوا لكلمة الإِسلام هيبتها وقوتها .
قال الآلوسي ما ملخصه : هذه الآية من الكائنات التي أخبر عنها القرآن قبل وقوعها - وقد وقع المخبر به على وفقها فيكون معجزاً - فقد روى أنه ارتد عن الإِسلام إحدى عشرة فرقة .
ثلاث في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وهم : " بنو مدلج ، ورئيسهم الأسود العنسي و " بنو حنيفة " قوم مسيلمة الكذاب و " بنو أسد " قوم طليحة بن خويلد الأسدي . وسبع في عهد أبي بكر وهم : فزارة ، وغطفان ، وبنو سليم ، وبنو يربوع ، وبعض بني تميم ، وكنده ، وبنو بكر بن وائل .
وارتدت فرقة واحدة في عهد عمر وهي قبيلة " غسان قوم جبلة بن الأيهم " .
والمعنى : يا أيها الذين آمنوا لا يتخد أحد منكم أحدا من أعداء الله وليا ونصيراً لأن ولايتهم تفضي إلى مضرتكم وخسرانكم . بل وإلى ردتكم عن الحق الذي آمنتم به ، ومن يرتدد منكم عن دينه الحق إلى غيره من الأديان الباطلة فلن يضر الله شيئا ، لأنه - سبحانه - سوف يأتي بقوم آخرين مخلصين له ، ومطيعين لأوامره ، ومستجيبين لتعاليمه . بدل أولئك الذين ارتدوا على أدبارهم ، وكفروا بعد إيمانهم . قال - تعالى - : { وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يكونوا أَمْثَالَكُم } ولفظ { فسوف } جيء به هنا لتأكيد وقوع الأمر في المستقبل ، إذا ما ارتد بعض الناي على أدبارهم .
وقد وصف الله - تعالى - أولئك القوم الذين يأتي بهم بدل الذين كفروا بعد إيمانهم ، وصفهم بعدد من الصفات الحميدة ، والسجايا الكريمة .
وصفهم - أولا - بقوله : { يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } .
ومحبة الله - تعالى - للمؤمنين هي أسمى نعمة يتعشقونها ويتطلعون إليها ، ويرجون حصولها ودوامها . وهي - كما يقول الآلوسي - محبة تليق بشأنه على المعنى الذي أراده .
ومن علاماتها : أن يوفقهم - سبحانه - لطاعته ، وأن ييسر لهم الخير في كل شئونم .
ومحبة المؤمنين لله - تعالى - معناها : التوجه إليه وحده بالعبادة ، واتباع نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في كل ما جاء به ، والاستجابة لتعاليمه برغبة وشوق .
وقوله : { يحبهم } جملة في محل جر صفة لقوم . وقوله " يحبونه " معطوف على { يحبهم } .
وقدم - سبحانه - محبته لهم على محبتهم له ، لشرفها وسبقها ، إذ لولا محبته لهم لما وصلوا إلى طاعته .
وصفهم - ثانياً - بقوله : { أَذِلَّةٍ عَلَى المؤمنين أَعِزَّةٍ عَلَى الكافرين } .
وقوله : { أذلة } جمع ذليل ، من تذلل إذا تواضع وحنا على غيره ، وليس المراد بكونهم أذلة أنهم مهانون ، بل المراد المبالغة في وصفهم بالرفق ولين الجانب للمؤمنين .
وقوله : { أعزة } جمع عزيز وهو المتصف بالعزة بمعنى القوة والامتناع عن أن يغلب أو يقهر ومن قوله - تعالى - { وَعَزَّنِي فِي الخطاب } أي : غلبني في الخطاب .
والمعنى : إن من صفات هؤلاء القوم الذين يأتي الله بهم بدل الذين كفروا بعد إيمانهم ، أنهم أرقاء على المؤمنين ، عاطفون عليهم متواضعون لهم ، تفيض قلوبهم حنوا وشفقة بهم . وأنهم في الوقت نفسه أشداء على الكافرين ، ينظرون إليهم نظرة العزيز الغالب ، لا نظرة الضعيف الخانع .
وهذه - كما يقوال ابن كثير - صفات المؤمنين الكمل . أن يكون أحدهم متواضعا لأخيه ووليه ، متعززاً على خصمه وعدوه كما قال - تعالى - : { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ الله والذين مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى الكفار رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ } ومن صفات الرسول صلى الله عليه وسلم : " أنه الضحوك القتال " فهو ضحوك لأوليائه قتال لأعدائه .
وقال صاحب الكشاف : فإن قلت : هلا قيل أذلة للمؤمنين أعزة على الكافرين ؟ قلت : فيه وجهان :
أحدهما : أن يضمن الذل معنى الحنو والعطف كأنه قيل : عاطفين عليهم على وجه التذلل والتواضع .
والثاني : أنهم مع شرفهم وعلو طبقتهم وفضلهم على المؤمنين - خافضون لهم أجنحتهم .
وقال الطيبي : إن قوله - تعالى - { أَعِزَّةٍ عَلَى الكافرين } جيء به للتكميل ، لأنه لما وصفهم قبل ذلك بالتذلل ، ربما يتوهم أحد أنهم أذلاء محقرون في أنفسهم فدفع ذلك الوهم بأنهم مع ذلتهم على المؤمنين أعزة على الكافرين على حد قول القائل :
جلوس في مجالسهم رزان . . . وإن ضيم ألم بهم خفاف
ثم وصفهم - ثالثا - بقوله : { يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائم } وقوله : { يُجَاهِدُونَ } من المجاهدة وهي بذل الجهد ونهاية الطاقة من أجل الوصول إلى المقصد الذي يسعى إليه الساعي .
وقوله : { فِي سَبِيلِ الله } أي في سبيل إعلاء دين الله ، وإعزاز كلمته وليس في سبيل الهوى أو الشيطان .
واللومة : هي المرة الواحدة من اللوم . وهو بمعنى اعتراض المعترضين ، ومخالفة المخالفين وعدم رضاهم عن هؤلاء القوم .
والمعنى : أن من صفات هؤلاء القوم - أيضا - أنهم يبذلون أقصى جهدهم في سبيل إعلاء كلمة الله والعمل على مرضاته ، وأنهم في جهادهم وجهرهم بكلمة الحق ، وحرصهم على ما يرضيه - سبحانه - لا يخافون لوما قط من أي لائم كائنا من كان .
لأن خشيتهم ليست إلا من الله وحده .
وعبر - سبحانه - بلومة - بصيغة الإِفراد والتنكير ، للمبالغة في نفي الخورف عنهم سواء أصدر اللوم لهم من كبير أم من صغير ، وسواء أكانت اللومة شديدة أم رفيقة . .
فهم - كما يقول الزمخشري - : صلاب في دينهم ، إذا شرعوا في أمر من أمور الدين لإِنكار منكر أو أمر بمعروف - مضوا فيه كالمسامير المحماة ، لا يرعبهم قول قائل ، ولا اعتراض معترض ، ولا لومة لائم ، والجملة على هذه معطوفة على { يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله } . ويحتمل أن تكون الواو للحال . أي أنهم يجاهدون وحالهم في المجاهدة خلاف حال المنافقين الذين كانوا إذا خرجوا في جيش المؤمنين خافوا أولياؤهم اليهود ، فلا يعملون شيئا مما يعلمون أنه يلحقهم فيه لوم من جهتهم ، وأما المؤمنون فكانوا يجاهدون لوجه الله لا يخافون لومة لائم .
وقد ذكر المفسرون أقوالا متعددة في المراد بهؤلاء القوم الذين وصفهم الله - تعالى - بتلك الصفات الكريمة ، والذين يأتي بهم بدل أولئك الذين يرتدون على أعقابهم .
قال بعضهم : المراد بهم أبو بكر ومن معه من المؤمنين الذين قاتلوا المرتدين .
وقال آخرون : المراد بهم الأنصار الذين نصروا النبي - صلى الله عليه وسلم - وأيدوه .
وقال مجاهد : المراد بهم أهل اليمن . . . وقيل غير ذلك .
والذي نراه أنهم قوم ليسوا مخصوصين بزمن معين أو بلد معين ، أو أشخاص معينين ، وإنما هم كل من تنطبق عليهم هذه الصفات الجليلة . فكل من أحب الله وأحبه الله ، وتواضع للمؤمنين وأغلظ على الكافرين . وجاهد في سبيل الله دون أن يخشى أحدا سواه فهو منهم ، أما ذواتهم فيعلمها الله وحده ، لأنه لم يرد نص صحيح يعتمد عليه في بيان المراد بهؤلاء القوم .
واسم الإِشارة في قوله : { ذلك فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ والله وَاسِعٌ عَلِيمٌ } يعود على ما تقدم ذكره من أوصاف القوم .
أي : ذلك الذي أعطيناه لهم من صفات كريمة فضل الله وإحسانه ، يؤتيه من يشاء إيتاءه من عباده ، والله - تعالى - واسع الفضل والجود والعطاء ، عليم بأحوال خلقه ، لا تخفى عليه خافية من شئونهم .
هذا ، ومن الأحكام التي أخذها العلماء من هذه الآية الكريمة : وجوب المجاهدة في سبيل إعلاء كلمة الله عن طريق قتال أعدائه - سبحانه - أو عن طريق الجهر بكلمة الحق ، أو عن طريق إحقاق الحق وإبطال الباطل - دون أن يخاف المجاهد لومة لائم .
ولقد ساق الإِمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية جملة من الأحاديث في هذا المعنى ومن ذلك :
ما رواه الإِمام أحمد عن أبي ذر : " أمرني خليلي صلى الله عليه وسلم بسبع : أمرني بحب المساكين والدنو منهم ، وأمرني أن أنظر إلى من هو دوني ولا أنظر إلى من هو فوقي ، وأمرني أن أصل الرحم وإن أدبرت ، وأمرني أن لا أسأل أحدا شيئا ، وأمرني أن أقول الحق وإن كان مراً ، وأمرني أن لا أخاف في الله لومة لائم ، وأمرني أن أكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله فإنهن كنز تحت العرش " .
وعن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا لا يمنعن أحدكم رهبة الناس أن يقول بحق إذا رآه أو شهده . فإنه لا يقرب من أجل ولا يباعد من رزق أن يقول بحق أو أن يذكر بعظيم " .
وعنه - أيضاً - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يحقرن أحدكم نفسه قالوا : وكيف يحقر أحدنا نفسه ؟ قال : أن يرى أمر الله فيه مقال فلا يقول فيه . فيقال له يوم القيامة . ما منعك أن تكون قلت في كذا وكذا ؟ فيقول مخافة الناس . فيقول : إياي أحق أن تخاف " .
وهناك أحاديث أخرى في هذا المعنى سوى التي ذكرها الإِمام ابن كثير ومن ذلك ما أخرجه الشيخان عن عبادة بن الصامت قال : " بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة في المنشط والمنكره ، وأن لا ننازع الأمر أهله . وأن نقول بالحق حيثما كنا . لا نخاف في الله لومة لائم " .
{ يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ وَيُحِبّونَهُ أَذِلّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } . .
يقول تعالى ذكره للمؤمنين بالله وبرسوله : يا أيّها الّذِين آمَنُوا : أي صدّقوا لله ورسوله ، وأقرّوا بما جاءهم به نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ يقول : من يرجع منكم عن دينه الحقّ الذي هو عليه اليوم ، فيبدّله ويغيرة بدخوله في الكفر ، إما في اليهودية أو النصرانية أو غير ذلك من صنوف الكفر ، فلن يضر الله شيئا ، وسيأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه يقول : فسوف يجيء الله بدلاً منهم المؤمنين الذين لم يبدّلوا ولم يغيروا ولم يرتدّوا ، بقوم خير من الذين ارتدّوا وبدّلوا دينهم ، يحبهم الله ويحبون الله . وكان هذا الوعيد من الله لمن سبق في علمه أنه سيرتدّ بعد وفاة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، وكذلك وعده من وعد من المؤمنين ما وعده في هذا الاَية ، لمن سبق له في علمه أنه لا يبدّل ولا يغير دينه ولا يرتدّ . فلما قبض الله نبيه صلى الله عليه وسلم ارتدّ أقوام من أهل الوبر وبعض أهل المدر ، فأبدل الله المؤمنين بخير منهم كما قال تعالى ذكره ، ووفى للمؤمنين بوعده ، وأنفذ فيمن ارتدّ منهم وعيده .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني عبد الله بن عياش ، عن أبي صخر ، عن محمد بن كعب : أن عمر بن عبد العزيز أرسل إليه يوما وعمر أمير المدينة يومئذٍ ، فقال : يا أبا حمزة ، آية أسهرتني البارحة قال محمد : وما هي أيها الأمير ؟ قال : قول الله : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ منْكُمْ عنْ دِينِهِ . . . حتى بلغ : وَلا يَخافونَ لَوْمَةَ لائمٍ . فقال محمد : أيها الأمير ، إنما عنى الله بالذين آمنوا : الولاة من قريش ، من يرتدّ عن الحقّ .
ثم اختلف أهل التأويل في أعيان القوم الذين أتى الله بهم المؤمنين وأبدل المؤمنين مكان من ارتدّ منهم ، فقال بعضهم : هو أبو بكر الصدّيق وأصحابه الذين قاتلوا أهل الردّة حتى أدخلوهم من الباب الذي خرجوا منه . ذكر من قال ذلك :
حدثنا هناد بن السريّ ، قال : حدثنا حفص بن غياث ، عن الفضل بن دَلَهْم ، عن الحسن في قوله : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ ويُحبّونَهُ قال : هذا والله أبو بكر وأصحابه .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن الفضل بن دلهم ، عن الحسن ، مثله .
حدثنا هناد ، قال : حدثنا عبد بن سليمان ، عن جويبر ، عن سهل ، عن الحسن في قوله : فَسَوفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ ويُحبّونَهُ قال : أبو بكر وأصحابه .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا حسين بن عليّ ، عن أبي موسى ، قال : قرأ الحسن : فَسَوفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ ويُحبّونَهُ قال : هي والله لأبي بكر وأصحابه .
حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي ، قال : حدثنا أحمد بن بشير ، عن هشام ، عن الحسن في قوله : فَسَوفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ ويُحبّونَهُ قال : نزلت في أبي بكر وأصحابه .
حدثني عليّ بن سعيد بن مسروق الكندي ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله : فَسَوفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ ويُحبّونَهُ أذِلّةٍ على المُؤْمِنينَ أعِزّةٍ على الكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائم قال : هو أبو بكر وأصحابه ، لما ارتدّ من ارتدّ من العرب عن الإسلام ، جاهدهم أبو بكر وأصحابه حتى ردّهم إلى الإسلام .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ ويُحبّونَهُ . . . إلى قوله : وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ أنزل الله هذه الاَية ، وقد علم أن سيرتدّ مرتدّون من الناس . فلما قبض الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم ، ارتدّ عامّة العرب عن الإسلام إلاّ ثلاثة مساجد : أهل المدينة ، وأهل مكة ، وأهل البحرين من عبد القيس قالوا : نصلي ولا نزكي ، والله لا تُعصب أموالنا فكُلّم أبو بكر في ذلك ، فقيل له : إنهم لو قد فقهوا لهذا ، أعطوها وزادوها . فقال : لا والله ، لا أفرّق بين شيء جمع الله بينه ، ولو منعوا عِقَالاً مما فرض الله ورسوله ، لقاتلناهم عليه فبعث الله عصابة مع أبي بكر ، فقاتل على ما قاتل عليه نبيّ الله صلى الله عليه وسلم ، حتى سبى وقتل وحرق بالنيران أناسا ارتدّوا عن الإسلام ومنعوا الزكاة ، فقاتلهم حتى أقرّوا بالماعون وهي الزكاة صَغرة أقمياء . فأتته وفود العرب ، فخيرهم بين خطة مخزية أو حرب مجلية ، فاختاروا الخطة المخزية ، وكانت أهون عليهم ، أن يعتدّوا أن قتلاهم في النار وأن قتلى المؤمنين في الجنة ، وأن ما أصابوا من المسلمين من مال ردّوه عليهم ، وما أصاب المسلمون لهم من مال فهو لهم حلال .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ ويُحبّونَهُ قال ابن جريج : ارتدوا حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقاتلهم أبو بكر .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن هشام ، قال : أخبرنا سيف بن عمر ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن أبي أيوب ، عن عليّ في قوله : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ قال : علم الله المؤمنين ، وأوقع معنى السوء على الحشو الذي فيهم من المنافقين ومن في علمه أن يرتدّوا ، قال : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوفَ يَأْتِي اللّهُ المرتدّة عن دينهم بقوم يحبهم ويحبونه بأبي بكر وأصحابه .
وقال آخرون : يعني بذلك قوما من أهل اليمن . وقال بعض من قال ذلك منهم : هم رهط أبي موسى الأشعري : عبد الله بن قيس . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن سماك بن حرب ، عن عياض الأشعري ، قال : لما نزلت هذه الاَية : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ ويُحبّونَهُ قال : أومأ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي موسى بشيء كان معه ، فقال : «هُمْ قَوْمُ هَذَا » .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا أبو الوليد ، قال : حدثنا شعبة ، عن سماك بن حرب ، قال : سمعت عياضا يحدّث عن أبي موسى ، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الاَية : فَسَوفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ ويُحبّونَهُ قال : يعني قوم أبي موسى .
حدثني أبو السائب سلم بن جنادة ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن شعبة قال أبو السائب ، قال أصحابنا هو عن سماك بن حرب ، وأنا لا أحفظ سماكا عن عياض الأشعري ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «هُمْ قَوْمُ هَذَا » يعني أبا موسى .
حدثنا سفيان بن وكيع ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن شعبة ، عن سماك ، عن عياض الأشعري ، قال النبيّ صلى الله عليه وسلم لأبي موسى : «هُمْ قَوْمُ هَذَا » في قوله : فَسَوفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ ويُحبّونَهُ .
حدثنا مجاهد بن موسى ، قال : حدثنا يزيد ، قال : أخبرنا شعبة ، عن سماك بن حرب ، قال : سمعت عياضا الأشعريّ يقول : لما نزلت : فَسَوفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ ويُحبّونَهُ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «هُمْ قَوْمُكَ يا أبا مُوسَى » ، أو قال : «هُمْ قَوْمُ هَذَا » يعني أبا موسى .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو سفيان الحميريّ ، عن حصين ، عن عياض أو ابن عياض : فَسَوفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ ويُحبّونَهُ قال : هم أهل اليمن .
حدثنا محمد بن عوف ، قال : حدثنا أبو المغيرة قال : حدثنا صفوان ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن جبير ، عن شريح بن عبيد ، قال : لما أنزل الله : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ . . . إلى آخر الاَية ، قال عمر : أنا وقومي هم يا رسول الله ؟ قال : «لا بَلْ هَذا وَقَوْمُهُ » يعني أبا موسى الأشعري .
وقال آخرون منهم : بل هم أهل اليمن جميعا . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : يُحِبّهُمْ ويُحِبّونَهُ قال : أناس من أهل اليمن .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن ليث ، عن مجاهد ، قال : هم قوم سبأ .
حدثنا مطر بن محمد الضبيّ ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : أخبرنا شعبة ، قال : أخبرني من سمع شهر بن حوشب ، قال : هم أهل اليمن .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني عبد الله بن عياش ، عن أبي صخر ، عن محمد بن كعب القرظي : أن عمر بن عبد العزيز أرسل إليه يوما وهو أمير المدينة يسأله عن ذلك ، فقال محمد : يأتي الله بقوم ، وهم أهل اليمن . قال عمر : يا ليتني منهم قال : آمين
وقال آخرون : هم أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ ويُحبّونَهُ يزعم أنهم الأنصار .
وتأويل الاَية على قول من قال : عنى الله بقوله : فَسَوفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ ويُحبّونَهُ أبا بكر وأصحابه في قتالهم أهل الردّة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فلن يضر الله شيئا ، وسيأتي الله من ارتدّ منكم عن دينه بقوم يحبهم ويحبونه ، ينتقم بهم منهم على أيديهم . وبذلك جاء الخبر والرواية عن بعض من تأوّل ذلك كذلك .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن هشام ، قال : أخبرنا سيف بن عمر ، عن أبي روق ، عن أبي أيوب ، عن عليّ في قوله : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ قال : يقول : فسوف يأتي الله المرتدّة في دورهم ، بقوم يحبهم ويحبونه بأبي بكر وأصحابه .
وأما على قول من قال : عني بذلك : أهل اليمن فإن تأويله : يا أيها الذين آمنوا ، من يرتدّ منكم عن دينه ، فسوف يأتي الله المؤمنين الذين لم يرتدّوا بقوم يحبهم ويحبونه ، أعوانا لهم وأنصارا . وبذلك جاءت الرواية عن بعض من كان يتأوّل ذلك كذلك .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحية ، عن ابن عباس : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ . . . الاَية وعيد من الله أنه من ارتدّ منكم أنه سيستبدل خيرا منهم .
وأما على قول من قال : عني بذلك الأنصار ، فإن تأويله في ذلك نظير تأويل من تأوله أنه عني به أبو بكر وأصحابه .
وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب ، ما رُوي به الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم أهل اليمن قوم أبي موسى الأشعري . ولولا الخبر الذي رُوي في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخبر الذي روي عنه ما كان القول عندي في ذلك إلاّ قول من قال : هم أبو بكر وأصحابه وذلك أنه لم يقاتل قوما كانوا أظهروا الإسلام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ارتدّوا على أعقابهم كفارا ، غير أبي بكر ومن كان معه ممن قاتل أهل الردة معه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكنا تركنا القول في ذلك للخبر الذي رُوي فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن كان صلى الله عليه وسلم معدن البيان عن تأويل ما أنزل الله من وحيه وآي كتابه .
فإن قال لنا قائل : فإن كان القوم الذين ذكر الله أنه سيأتي بهم عند ارتداد من ارتدّ عن دينه ممن كان قد أسلم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هم أهل اليمن ، فهل كان أهل اليمن أيام قتال أبي بكر أهل الردّة أعوان أبي بكر على قتالهم ، حتى تستجيز أن توجه تأويل الاَية إلى ما وجهت إليه ؟ أم لم يكونوا أعوانا له عليهم ، فكيف استجزت أن توجه تأويل الاَية إلى ذلك ، وقد علمت أنه لا خلف لوعد الله ؟ قيل له : إن الله تعالى ذكره لم يعد المؤمنين أن يبدلهم بالمرتدّين منهم يومئذٍ خيرا المرتدّين لقتال المرتدّين ، وإنما أخبر أنه سيأتيهم بخير منهم بدلاً منهم ، يعد فعل ذلك بهم قريبا غير بعيد ، فجاء بهم على عهد عمر ، فكان موقعهم من الإسلام وأهله أحسن موقع ، وكانوا أعوان أهل الإسلام وأنفع لهم ممن كان ارتدّ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من طَغَام الأعراب وجفاة أهل البوادي الذين كانوا على أهل الإسلام كَلاّ لا نفعا .
واختلفت القرّاء في قراءة قوله : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فقرأته قرّاء أهل المدينة : «يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ » بإظهار التضعيف بدالين مجزومة الدال الاَخرة ، وكذلك ذلك في مصاحفهم . وأما قرّاء أهل العراق فإنهم قرءوا ذلك : مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ بالإدْغامِ بدال واحدة وتحريكها إلى الفتح بناء على التثنية ، لأن المجزوم الذي يظهر تضعيفه في الواحد إذا ثني أدغم ، ويقال للواحد : اردد يا فلان إلى فلان حقه ، فإذا ثني قيل : ردّ إليه حقه ، ولا يقال : ارددا . وكذلك في الجمع ردّوا ، ولا يقال : ارددوا . فتبني العرب أحيانا الواحد على الاثنين ، وتظهر أحيانا في الواحد التضعيف لسكون لام الفعل ، وكلتا اللغتين فصيحة مشهورة في العرف . والقراءة في ذلك عندنا على ما هو به في مصاحفنا ومصاحف أهل المشرق بدال واحدة مشدّدة بترك إظهار التضعيف وبفتح الدال للعلة التي وصفتُ .
القول في تأويل قوله تعالى : أذِلّةٍ على المُؤْمِنِينَ أعِزّةٍ على الكافِرِينَ .
يعني تعالى ذكره بقوله : أذِلّةٍ على المُؤْمِنِينَ : أرقاء عليهم رحماء بهم ، من قول القائل : ذلّ فلان لفلان : إذا خضع له واستكان . ويعني بقوله : أعِزّةٍ على الكافِرِينَ : أشدّاء عليهم غلظاء بهم ، من قول القائل : قد عزّني فلان : إذا أظهر العزّة من نفسه له ، وأبدى له الجفوة والغلظة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن هاشم ، قال : أخبرنا سيف بن عمر ، عن أبي روق ، عن أبي أيوب ، عن عليّ في قوله : أذِلّةٍ على المُؤْمِنِينَ : أهل رقة على أهل دينهم ، أعِزّةٍ على الكافِرِينَ : أهل غلظة على من خالفهم في دينهم .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : أذلّةٍ على المُؤْمِنِينَ أعِزّةٍ على الكافِرِينَ يعني بالذلة : الرحمة .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جريج ، في قوله : أذِلّةٍ على المُؤْمِنِينَ قال : رحماء بينهم ، أعِزّةٍ على الكافِرِينَ قال : أشدّاء عليهم .
حدثنا الحرث بن محمد ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : قال سفيان : سمعت الأعمش يقول في قوله : أذِلّةٍ على المُؤْمِنِينَ أعِزّةٍ على الكافِرِينَ : ضعفاء على المؤمنين .
القول في تأويل قوله تعالى : يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ .
يعني تعالى ذكره بقوله : يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ هؤلاء المؤمنين الذين وعد الله المؤمنين أن يأتيهم بهم إن ارتدّ منهم مرتدّ بدلاً منهم ، يجاهدون في قتال أعداء الله ، على النحو الذي أمر الله بقتالهم والوجه الذي أذن لهم به ، ويجاهدون عدوّهم ، فذلك مجاهدتهم في سبيل الله . وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائمٍ يقول : ولا يخافون في ذات الله أحدا ، ولا يصدّهم عن العمل بما أمرهم الله به من قتال عدوّهم لومة لائم لهم في ذلك . وأما قوله : ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ فإنه يعني : هذا النعت الذي نعتهم به تعالى ذكره من أنهم أذلة على المؤمنين ، أعزّة على الكافرين ، يجاهدون في سبيل الله ، ولا يخافون في الله لومة لائم ، فضل الله الذي تفضل به عليهم ، والله يؤتي فضله من يشاء من خلقه ، منّةً عليه وتطوّلاً . وَاللّهُ وَاسِعٌ يقول : والله جواد بفضله على من جاد به عليه ، لا يخاف نفاد خزائنه فيكفّ من عطائه . عَليمٌ بموضع جوده وعطائه ، فلا يبذله إلاّ لمن استحقه ولا يبذل لمن استحقه إلاّ على قدر المصلحة لعلمه بموضع صلاحه له من موضع ضرّه .
وقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا من يرتدد{[4592]} منكم عن دينه } الآية قال فيها الحسن بن أبي الحسن ومحمد بن كعب القرظي والضحاك وقتادة نزلت الآية خطاباً للمؤمنين عامة إلى يوم القيامة ، والإشارة بالقوم الذين يأتي الله بهم إلى أبي بكر الصديق وأصحابه الذين قاتلوا أهل الردة ، وقال هذا القول ابن جريج وغيره{[4593]} .
قال القاضي أبو محمد : ومعنى الآية عندي أن الله وعد هذه الأمة من ارتد منها فإنه يجيء بقوم ينصرون الدين ويغنون عن المرتدين فكان أبو بكر وأصحابه ممن صدق فيهم الخبر في ذلك العصر ، وكذلك هو عندي أمر عليّ مع الخوارج ، وروى أبو موسى الأشعري أنه لما نزلت هذه الآية قرأها النبي صلى الله عليه وسلم وقال : هم قوم هذا يعني أبا موسى الأشعري{[4594]} وقال هذا القول عياض ، وقال شريح بن عبيد : لما نزلت هذه الآية قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أنا وقومي هم يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ولكنهم قوم هذا ، وأشار إلى أبي موسى{[4595]} ، وقال مجاهد ومحمد بن كعب أيضاً : الإشارة إلى أهل اليمن ، وقاله شهر بن حوشب .
قال القاضي أبو محمد : وهذا كله عندي قول واحد ، لأن أهل اليمن هم قوم أبي موسى ، ومعنى الآية على هذا القول مخاطبة جميع من حضر عصر النبي صلى الله عليه وسلم على معنى التنبيه لهم والعتاب والتوعد ، وقال السدي الإشارة بالقوم إلى الأنصار .
قال القاضي أبو محمد : وهذا على أن يكون قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا } خطاباً للمؤمنين الحاضرين يعم مؤمنهم ومنافقهم . لأن المنافقين كانوا يظهرون الإيمان ، والإشارة بالارتداد إلى المنافقين ، والمعنى أن من نافق وارتد فإن المحققين من الأنصار يحمون الشريعة ويسد الله بهم كل ثلم ، وقرأ أبو عمرو وابن كثير وحمزة والكسائي وعاصم «يرتد » بإدغام الدال في الدال ، وقرأ نافع وابن عامر «يرتدد » بترك الإدغام ، وهذه لغة الحجاز ، مكة وما جاورها ، والإدغام لغة تميم ، وقوله تعالى { أذلة على المؤمنين } معناه متذللين من قبل أنفسهم غير متكبرين ، وهذا كقوله تعالى : { أشداء على الكفار رحماء بينهم }{[4596]} وكقوله عليه السلام «المؤمن هين لين » ، وفي قراءة ابن مسعود «أذلة على المؤمنين غلظاء على الكافرين » ، وقوله تعالى : { ولا يخافون لومة لائم } إشارة إلى الرد على المنافقين في أنهم كانوا يعتذرون بملامة الأخلاق والمعارف من الكفار ويراعون أمرهم . وقوله تعالى : { ذلك فضل الله } الإشارة بذلك إلى كون القوم يحبون الله ويحبهم ، وقد تقدم القول غير مرة في معنى محبة الله للعبد وأنها إظهار النعم المنبئة عن رضاه عنه وإلباسه إياها . و { واسع } معناه ذو سعة فيما يملك ويعطي وينعم .