جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَن يَرۡتَدَّ مِنكُمۡ عَن دِينِهِۦ فَسَوۡفَ يَأۡتِي ٱللَّهُ بِقَوۡمٖ يُحِبُّهُمۡ وَيُحِبُّونَهُۥٓ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ يُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوۡمَةَ لَآئِمٖۚ ذَٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ} (54)

{ يا أيها الذين{[1271]} آمنوا من يرتد منكم عن دينه } قد ارتد عن الإسلام قبائل العرب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنه { فسوف يأتي الله بقوم{[1272]} } بدلهم ومكانهم { يحبّهم{[1273]} } يهديهم ويثبتهم { ويحبّونه } هم أبو بكر وأصحابه أو أهل اليمن أو الأشعريون { أذلة على المؤمنين } : متذللين لهم عاطفين عليهم خافضين لهم أجنحتهم { أعزة على الكافرين } : شداد متغلبين عليهم { يجاهدون في سبيل الله } صفة أخرى لقوم { ولا يخافون لومة لائم } لا كالمنافقين يخافون ويراقبون لوم الكفار { ذلك } أي : ذلك الأوصاف { فضل الله يُؤتيه من يشاء والله واسع } : كثير الفضل { عليم{[1274]} } بمن هو أهله .


[1271]:ولما ذكر أقواما كافرين ظالمين نادمين خاسرين عقب قوما أخس منهم وأقبح فقال (يا أيها الذين آمنوا)/12 وجيز.
[1272]:وهم قوم أبي موسى الأشعري على الأصح كما في المستدرك لأبي عبد الله الحاكم/12 وجيز. المراد بالقوم الذين وعد الله بالإتيان بهم هم أبو بكر الصديق رضي الله عنه وجيشه من الصحابة والتابعين الذين قاتل بهم أهل الردة ثم كل من جاء بعدهم من المقاتلين للمرتدين في جميع الزمن قال بعض الصحابة ما ولد بعد النبيين أفضل من أبي بكر لقد قام مقام نبي من الأنبياء في قتال أهل الردة/12.
[1273]:اعلم أن حب المحمود وبغض المذموم صفتان من صفات الكمال فإن من يحب صفات الكمال أكمل ممن لا فرق عنده بين صفات النقص والكمال ولا يحب صفات الكمال. وإذا قدر موجودان أحدهما يحب العلم والصدق والعدل والإحسان والآخر لا فرق عنده بين هذه الأمور والجهل والظلم والكذب ونحو ذلك لا يحب هذا ولا يبغض هذا كان الذي يحب تلك الأمور أكمل من هذا فدل على أن هذه من صفات الكمال، والموجود إما أن لا يكون له علم كالجماد فالذي يعلم أكمل منه، والعالم إما أن يحب المحمود ويبغض المذموم وإما أن لا يحبهما، وإما أن يحبهما، ومعلوم أن الذي يحب المحمود ويبغض المذموم أكمل ممن لا يحبهما ويبغضهما. وأصل هذه المسألة هي الفرق بين محبة الله ورضائه وغضبه وسخطه وإرادته كما هو مذهب السلف، ومن ذهب إلى أنه لا فرق بينها فقوله مخالف للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها فإنهم متفقون على أنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وإنه لا يكون شيء إلا بمشيئته، ومجمعون على أنه لا يحب الفساد ولا يرضى لعباده الكفر وأن الكفار يبيتون ما لا يرضى من القول، والذين نفوا محبته بنوها على هذا الأصل الفاسد فالمحبة صفة ثابتة له تعالى فهو يحب سبيله الصادقين ويحب الصابرين ويحب المقسطين ويحب المحسنين ويحب الذين يقاتلون في سبيله صفا، وهو يأتي بقوم يحبهم ويحبونه، والله وتر يحب الوتر، جميل يحب الجمال، فليس لمؤمن يؤمن بكتاب الله ويصدق رسوله أن ينفي صفة أثبتها الله لنفسه وشهد رسوله أن يفسرها برأيه ثم يستحيلها؛ لأن عدم علمنا بكيفية صفة من صفاته لا يوجب نفيها، كما أن عدم علمنا بكنه ذاته لا يستلزم النفي فلا نكذب بما علمناه لعدم علمنا بما لا نعلمه والله يقول الحق وهو يهدي السبيل/12.
[1274]:ولما نهاهم عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء بين لهم من وليهم فقال: (إنما وليكم الله)/12 وجيز.