تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَن يَرۡتَدَّ مِنكُمۡ عَن دِينِهِۦ فَسَوۡفَ يَأۡتِي ٱللَّهُ بِقَوۡمٖ يُحِبُّهُمۡ وَيُحِبُّونَهُۥٓ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ يُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوۡمَةَ لَآئِمٖۚ ذَٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ} (54)

أذلّة على المؤمنين : متواضعون رحماء للمؤمنين .

أعزّة على الكافرين : أشداء على الكافرين . كما قال تعالى في سورة الفتح { أَشِدَّآءُ عَلَى الكفار رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ } .

بعد أن ذكر سبحانه أن من يتولّى الكافرين من دون الله يُعَدّ منهم ، بيّن هنا حقيقةً دعّمها بخبر من الغيب أظهرَهُ الزمن يومذاك ، وهي : أن بعض الذين آمنوا نفاقاً سيرتدّون عن الإسلام جهراً .

يا أيها الذين آمنوا : إن من يرجع منكم عن الإيمان إلى الكفر ، لن يضر الله قليلاً ولا كثيراً . فالله سوف يأتي بَدَلَهم بقومٍ خير منهم ، يحبّهم الله لأنهم يحبّونه ، فيوفقهم للهدى والطاعة .

وسيكون هؤلاء ذوي تواضعٍ ورحمة بإخوانهم المؤمنين ، وفيهم شدةٌ على أعدائهم الكافرين ، يجاهدون في سبيل الله ، ولا يخشون في الله لومة لائم . وذلك فضلُ الله يمنحه لمن يشاء ممن يستحقونه ، والله كثير الفضل ، عليم بمن هو أهل له .

في هذه الآية إخبار من الغيب ، فإنه لما قُبض الرسول صلّى الله عليه وسلم ارتدّ كثير من العرب . وكان المرتدّون فريقين : فريقاً ارتدّ عن الإسلام ، وفريقاً منع الزكاة . وكان قد ارتد في حياة النبي عليه الصلاة والسلام ، بنو مدلج ورئيسُهم ذو الخمار ، وهو الأَسود العنسي . وكان كاهناً تنبّأ باليمَن ، فأهلكه الله على يد فيروز الديلمي ، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله فسُرّ به ، وقُبض عليه السلام من الغد .

وارتدّ مُسَيلمة ومعه بنو حنيفة ، وكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم :

«من مسليمة رسولِ الله إلى محمد رسولِ اللهِ ، سلام عليك : أما بعدُ فإني قد أُشْرِكتُ في الأمر معك ، وإنّ لنا نصفَ الأرض ولقُريش نصف الأرض ، ولكن قريشاً قوم يعتدون » .

فكتب إليه النبي : «بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذّاب . السلامُ على من اتبع الهدى . أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين » .

وحاربتْه جيوش المسلمين بقيادة خالد بن الوليد ، وقتله وحشيُّ قاتلُ حمزة ، وكان يقول : «قتلتُ في جاهليتي خير الناس ، وفي إسلامي شرَّ الناس » .

وتنبأ طُليحة بن خويلد الأسدي ، وتبعه جمع غفير ، فهزمه خالد بن الوليد . وهرب طليحة إلى الشام ثم أسلم فحسُن إسلامه .

وتنبأت سَجاحُ بِنت المنذِر ، الكاهنة ، وزوَّجت نفسها من مسيلمة ، ولها قَصَص طويل في التاريخ ، ثم أسلمت بعد ذلك وحسُن إسلامها .

وارتدّت سبع قبائل في عهد أبي بكر منهم : فَزارة ، وغطفان ، وبنو سليم ، وبنو يربوع ، وبعض بن تميم ، وكِندة ، وبنو بكر . وهؤلاء كلهم حاربهم أبو بكر يُناصره المهاجرون والأنصار ، وهزمهم جميعاً ، وهكذا ثبّت أبو بكر رضي الله عنه الإسلام بعزيمة صادقة ، وإيمان قويّ راسخ . وقد وصف الله هؤلاء المؤمنين بستّ صفات : بأن الله يحبّهم وهم يحبّونه . وأنهم أشدّاء على الكفار رحماء بينهم . وأنهم يجاهدون في سبيل الله بأنفسهم وأموالهم . وأنهم صادقون لا يخافون في الله لومة لائم .

قراءات :

قرأ نافع وابن عامر وأهل المدينة «من يرتدد » بدالين ، والباقون «من يرتد » بإدغام الدالين .