{ يأيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه } الآيات التي سبقت حذرت من موالاة اليهود والنصارى ، وأن من تولاهم فهو من جملتهم وفي عدادهم ، وأما هذه فقد بينت بعض أحكام المرتدين ؛ لكن صاحب تفسير القرآن العظيم ذهب إلى غير هذا فقال : يقول تعالى مخبرا عن قدرته العظيمة : إنه من تولى عن نصرة دينه وإقامة شريعته ، فإن الله سيستبدل به من هو خير لها منه ، وأشد منعة وأقوم سبيلا ، كما قال تعالى : ( . . وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ) ( {[1780]} ) ؛ وقال تعالى : ( إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد . وما ذلك على الله بعزيز ) ( {[1781]} ) ، أي بممتنع ولا صعب . ا ه- وهذا من إعجاز القرآن ، والنبي صلى الله عليه وسلم إذ أخبر عن ارتدادهم ولم يكن ذلك في عهده وكان ذلك غيبا ، فكان على ما أخبر بعد مدة ، وأهل الردة كانوا بعد موته صلى الله عليه وسلم-( {[1782]} ) ؛ قال ابن اسحق : لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب إلا ثلاثة مساجد ؛ مسجد المدينة ، ومسجد مكة ، ومسجد جواثي( {[1783]} ) ، وكانوا في ردتهم على قسمين : قسم نبذ الشريعة كلها وخرج عنها ، وقسم نبذ وجوب الزكاة واعترف بوجوب غيرها ؛ قالوا : نصوم ونصلي ولا نزكي ، فقاتل الصديق جميعهم ، وبعث خالد بن الوليد إليهم بالجيوش فقاتلهم وسباهم ؛ على ما هو مشهور من أخبارهم( {[1784]} ) . ا ه .
{ فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم } الفاء واقعة في جواب شرط { مَن } فكان التقدير : من يرتد عن الإسلام فسوف يأتي الله مكانهم بعد إهلاكهم بقوم من صفاتهم أنهم يحبون الله تعالى ، يميلون إليه سبحانه بصدق ويسارعون إلى مرضاته ، ويحبهم جل وتقدس فيثيبهم أجزل الثواب ، ويكرمهم ويرضى عنهم ؛ ومن رضوانه سبحانه يمنحهم عطفا وحنوا على إخوانهم المؤمنين ، متذللين لهم ، { أعزة على الكافرين }-أشداء متغلبين عليهم- مِن عَزهُ ، إذا غلبه- ونص العلامة الطيبي أن هذا الوصف جيء به للتكميل ، لأن الوصف قبله يوهم أنهم أذلاء محقرون في أنفسهم ، فدفع ذلك الوهم بالإتيان به . . - ( {[1785]} ) ، فهم مع عُلُو مقامهم ، وهيبتهم في نفوس أعدائهم ، يخفضون أجنحتهم يتواضعون ، كما جاء في قول الحق تقدست أسماؤه وتباركت آلاؤه : ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم . . ) ( {[1786]} ) ، كما علمنا في شخص نبيه الكريم ، بقوله الحكيم : ( . . واخفض جناحك للمؤمنين ) ( {[1787]} ) ؛ { يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم }( يجمعون بين المجاهدة في سبيل الله وعدم خوف الملامة في الدين ، . . متصلبون لا يبالون بما يفعله أعداء الحق وحزب الشيطان من الإزراء بأهل الدين ، وقلب محاسنهم مساوئ ، ومناقبهم مثالب ، حسدا وبغضا ، وكراهة للحق وأهله ) ( {[1788]} ) ؛ مما يقول القرطبي-رحمه الله تعالى- : فدل بهذا على تثبيت إمامة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي-رضي الله تعالى عنهم- ؛ لأنهم جاهدوا في الله عز وجل في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاتلوا المرتدين بعده ، ومعلوم أن من كانت فيه هذه الصفات فهو ولي الله تعالى ؛ وقيل : الآية عامة في كل من يجاهد الكفار إلى قيام الساعة ؛ والله أعلم . ا ه .
وعن قتادة : أنزل الله هذه الآية( {[1789]} ) وقد علم أنه يرتد مرتدون من الناس ، فلما قبض الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم ارتد عامة العرب عن الإسلام . . فبعث الله عصابة مع أبي بكر فقاتل على ما قاتل عليه نبي الله صلى الله عليه حتى سبي وقتل وحرق بالنيران أناسا ارتدوا عن الإسلام ومنعوا الزكاة ، حتى أقروا بالماعون- وهي الزكاة- صغرة أقمياء ، فأتته وفود العرب فخيرهم بين خطة مخزية أو حرب مجلية ، فاختاروا الخطة المخزية وكانت أهون عليهم : أن يستعدوا أن قتلاهم في النار ، وأن قتلى المؤمنين في الجنة ، وأن ما أصابوا من المسلمين مِن مال ردوه عليهم ، وما أصاب المسلمون لهم من مال فهو لهم حلال ؛ { ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم } ذلك العطاء الذي منح المولى أهل محبته من حنو على المسلمين ، وغلظة على الكافرين ، ومضاء في الحق ، وشدة في الدين ، ذلك العطاء تفضل من الوهاب الغني يهبه مَن يشاء من عباده ، وهو-تباركت آلاؤه- عظيم المنن والآلاء ، محيط العلم بكل الأشياء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.